لليبيا تاريخ طويل في تقييد حرية الرأي والتعبير واضطهاد حرية الصحفيين في التعبير عن آرائهم ومعارضتهم في عهد معمر القذافي. وقد شكل الإعلان الدستوري لعام 2011 أملاً في أن يؤسس لنظام سياسي مدني ديمقراطي مبني على التعددية الحزبية والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة، ونظاماً تُحمى فيه الحريات بما في ذلك حرية التعبير والصحافة، فقد أكدت المادة 14 من الإعلان الدستوري على ضمان الدولة لـ " حرية الرأي والتعبير الفردي والجماعي، ونصت المادة 7 في باب الحقوق والحريات من الإعلان الدستوري على دور الدولة في صون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وبالرغم من عدم تحديد الإعلان الدستوري لمكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني الوطني، إلا أنها نصت على التزام الدولة بالانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية ذات الصلة. في هذا الإطار، ليبيا طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ 1976، والذي ينص في مادته 19 على حرية التعبير والرأي بما يشمل ذلك حرية التماس مختلف المعلومات والأفكار والآراء بحرية بما يشمل ذلك حول مسائل تتعلق بالشؤون العامة أو أي موضوع آخر، بما ينطوي ذلك على وجود صحافة حرة ووسائط إعلام أخرى قادرة على التعليق على المسائل العامة بدون رقابة أو قيد. وجميع أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة والآداب العامة. لا بد أيضاً من التذكير بأن ليبيا طرف أيضاً طرف أيضاً في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب 1986، للوهلة الأولى، يمكن القول بأن المادة 14 تشكل حجر أساس للمنظومة القانونية الوطنية الليبية فيما يتعلق بضمان حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام، وهو أمر بديهي. إلا أنه لا يوجد أي قانون إطاري ضامن لحرية الصحافة أو أي هيئة تنظيمية تضمن احترام حرية التعبير أو سلامة الصحفيين أو الحق في الحصول على معلومات موثوقة أو احترام التعددية الإعلامية والشفافية، الأمر الذي أفرغ الضمانة الدستورية من مضمونها. بشكل عام، كما قبلها بتأزمها وغياب الرؤية والسياسة التشريعية الواضحة، فغياب الدستور وفقدان آلية واضحة لاتخاذ القرارات تمكن مراقبتها ومراجعتها وعدم وجود محكمة دستورية وعدم تناسق التشريعيات كانت أحد أهم أسباب أزمة صناعة التشريعات قبل الثورة. اذ تميزت الفترة الانتقالية الليبية اليوم تتكون المنظومة التشريعية الماسة بشكل أو بآخر بحرية التعبير وحرية الصحافة من قوانين سُنت في فترة ما قبل الثورة ولا تزال سارية حتى يومنا هذا، وهي أيضاً تشريعات مقيدة لحرية الصحافة والتي أفرغت الضمانة الدستورية الواردة في الإعلان الدستوري لعام 2011 من محتوها. ولا يحاول التقرير مسح جميع هذه القوانين، بل ذكر أهمها تأثيراً على حرية الصحافة، خاصة تلك الصادرة خلال الفترة من 2014 لـ 2023 وهي الآتية: بعض القوانين المقيدة لحرية التعبير بشكل عام وحرية الصحافة على وجه الخصوص يعود تاريخ اعتمادها لأكثر من خمسين عاماً ولا زالت سارية المفعول واستخدمت من السلطات ذات الصلة خلال العشرية الأخيرة ومنها: يجرم قانون العقوبات الليبي مختلف أشكال التعبير بطريقة لا تتفق إلى حد كبير مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان أو الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 وتعديلاته. وفي نفس الإطار تجرم المادة 207 من قانون العقوبات الترويج بأي طريقة من الطرق نظريات أو مبادئ ترمي لتغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية. بالإضافة لذلك، اذ تفرض المادة 203عقوبة الإعدام بتهمة السعي إلى إثارة حرب أهلية في البلاد أو تفتيت الوحدة الوطنية، وتفرض المادة 207 أيضاً عقوبة الإعدام لمن يروج بأي طريقة نظريات أو مبادئ تهدف لتغيير مبادئ الدستور الأساسية. جميع هذه القيود المنصوص عليها في قانون العقوبات تمثل تهديداً حقيقيا لحرية التعبير بشكل عام ولحرية الصحافة على وجه الخصوص. ما يعطي هذا التجريم نطاق واسع يمكن أن يشمل الممارسة المشروعة لحرية الصحافة. اذ يجب أن تصاغ القاعدة القانونية بدقة كافيـة ويجب إتاحتها لعامة الجمهور. ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير. علاوة على ذلك، تولي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها عدد 34 حول المادة 19 أهمية كبيرة لقيود حرية التعبير والصحافة وترى أن اعتبار أشكال التعبير مهينة للشخصية العامة لا تكفي لتبرير فرض عقوبات. فتجريم بعض الممارسات مثل انتقاد الجهات الرسمية وعدم احترام العلم والرموز لا ينبغي أن تشكل قيوداً على حرية التعبير والصحافة. وأن مخالفة أحكام الدستور لها عدة وجوه وهي أن يعارض حكمه أو يقيد مطلقه أو يخصص عامه، ولا بد في هذا الإطار التذكير بأنه سبق واستخدم قانون العقوبات في ملاحقة بعض الصحفيين خلال الفترة الممتدة من 2014-2023، عمارة الخطابي، بالسجن لمدة 5 سنوات لمزاعم بتشهيره بمسؤولين عمومين على خلفية نشر " القائمة السوداء في القضاء" لأسماء 87 من القضاة وأفراد النيابة واتهامهم بقبول الرشاوى وغير ذلك من أوجه الكسب غير المشروع، تم بناءه، من بين قوانين أخرى، قانون رقم 76 لسنة 1972 بشأن المطبوعات وقد اعتبرته اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في أكثر من مناسبة مقيداً لحرية التعبير ويفرض قيوداً صارمة على حرية الرأي والتعبير، وشجعت اللجنة أن تقوم بمراجعته لكي يتوافق بشكل عام مع مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. بالرغم من أنه من المفترض أن أي تشريع متعارض مع محتوى الإعلان الدستوري يعتبر لاغي حسب المادة 35 من الإعلان الدستوري نفسه، ويطرح القانون عدة إشكاليات أساسية لعل أهمها هي فكرة الترخيص لعمل وسائل الاعلام بشكل عام ووسائل الاعلام المطبوعة بشكل خاص. اذ عبرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً عن قلقها بشأن متطلبات الترخيص لوسائل الإعلام المطبوعة، معتبرة أنها تشكل انتهاكاً للحق في حرية التعبير، اذ يسمح بسلطة تقديرية غير مقيدة لمنح أو رفض تسجيل المطبوعات وهو ما يخالف المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. بالرغم من أن القانون نفسه ينصص على أنه " لا يجوز فرض الرقابة على الصحف قبل نشرها"، إلا أن القانون جاء بمواد مخالفة لهذا المبدأ. اذ فرضت المادة 28 عرض " كل مطبوعة أجنبية على إدارة المطبوعات وذلك قبل توزيعها". لا ينص الإطار القانوني الحالي على تعريف شامل متعلق بمفهوم الإرهاب، يرى أن توصيف الجريمة الإرهابية التراكمي على النحو الذي حدده مجلس الأمن في قراره 1566 لسنة 2004 يمثل محاول لقصر تدابير مكافحة الإرهاب على الجريمة ذات الطبيعة الإرهابية الحقيقية. (ب) ملتزمة لغرض إثارة حالة من الرعب، أو تخويف السكان، أو منظمة دولية المنظمة للقيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به؛ لاستهداف فئة بعينها كالمدافعين عن حقوق الإنسان أو المعارضة السياسية أو الصحفيين. اذ يعتمد القانون تعريفاً للإرهاب يمكن وصفه بأنه فضفاض وغامض لحد كبير. من ضمن أفعال أخرى، يستخدم القانون رقم 3 مصطلحات فضفاضة لتوصيف الجريمة الإرهابية، وفي نفس الاتجاه، فإن عدم الدقة والتحديد في التنصيص على هذه الجريمة قد يؤدي لاتساع نطاقها لتشمل ممارسة مشروعة ومقبولة لحرية التعبير. يجب على جريمة التحريض على الإرهاب: أولاً أن تحصر في التحريض على السلوك الإرهابي الفعلي؛ أن لا تفضي إلى تقييد حرية التعبير إلا بما هو ضروري؛ ثالثاً، أن تكون محددة بلغة دقيقة مع تجنب أي تعابير غامضة؛ أن تنطوي على خطر فعلي بارتكاب العمل الذي تم التحريض عليه؛ وعلى خلاف المقبول في المعايير الدولية، يجرم القانون القيام " بالدعاية والترويج أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي"، وذلك باستخدام تعريف واسع لا يحترم متطلبات القانون الدولي المتعلق بالحق في حرية التعبير وحرية الصحافة، اذ تعاقب المادة 15 بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات كل من قام "بالدعاية أو الترويج" أو التضليل للقيام بالعمل الإرهابي بأي وسيلة من وسائل البث. وينطوي هذا الفصل على خطر واضح بفرض قيود لا مبرر لها على حرية تعبير أفراد صحفيون أو مؤسسات صحفية يمارسون بصورة مشروعة وسليمة حقهم في حرية التعبير. قانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن الجرائم الالكترونية أو مؤسسات صحفية، أو مؤسسات النشر الإلكتروني، وتحدد المادة الثانية من القانون على أنه يهدف إلى حماية التعاملات الإلكترونية والحد من وقوع الجرائم ذات الصلة وذلك لتحقيق العدالة وحماية النظام العام والآداب العامة وحفظ الحقوق المترتبة على الاستخدام المشروع لوسائل التقنية الحديثة، إلا أن القانون يمكن أن يكون له تأثير خطير على التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، كما ينص القانون في مادته 7 أن للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات إمكانية حجب كل ما ينشر " النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره" المنشأة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 28 لسنة 2013، كما ذكرتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام عدد 34 حول المادة 19 من العهد، اذ يمنح القانون للهيئة سلطة مراقبة ما يتم نشره عبر شبكة المعلومات الدولية، ويمنحها سلطة تقديرية واسعة في حجب كل ما من شأنه زعزعة أمن المجتمع واستقراره، يصبح لدى الهيئة الوطنية، سلطة تقدير ما من شأنه أن يؤثر في أمن المجتمع أو آدابه العامة.