حكاية خالد بن عبد الله القسري مع الشاب السارق فقال له خالد: ثكلتك أمك، أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك، وحسن أدبك زاجر يزجرك عن السرقة؟ قال: دع عنك هذا أيها الأمير وامض إلى ما أمر الله تعالى به فذلك ما كسبت يداي وما الله بظلام العبيد فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى. ثم أدناه منه وقال له: إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وانا ما اظنك سارقاً ولعل لك قصة غير السرقة فأخبرني بها؟ قال: أيها الأمير لا يقطع نفسك شيء سوى ما اعترفت به عندك وليس لي قصة أشرحها إلا أني دخلت دار هؤلاء فسرقت ما أمكنني فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك فأمر خالد بحبسه وأمر مناد ينادي بالبصرة: إلى من أحب أن ينظر إلى عقوبة اللص وقطع يده فليحضر من الغداة إلى المحل الفلاني فلما استقر الفتى في الحبس ووضعوا في رجليه الحديد تنفس الصعداء، وأفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات: فقلت هيهات أن أبوح بما تضمن القلب من محبتها قطع يدي الذي اعترفت به أهون للقلب من فضيحتها فسمع ذلك الموكلون به فأتوا خالداً وأخبروه بما حصل منه فلما جن الليل أمر بإحضاره عنده فلما حضر لمنطقته رآه عاقلاً أديباً فطناً لبيباً فأمر بطعام فأكل وتحدث معه ساعة كاملة ثم قال له خالد: قد علمت أن لك قصة غير السرقة فإذا كان الصباح وحضر الناس وحضر القاضي وسألك عن السرقة فأنكرها واذكر ما يدرأ عنك حد القطع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادرؤوا الحدود بالشبهات ثم أمر به إلى السجن. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثامنة والثلاثين بعد الثلاثمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن خالداً بعد أن تحدث مع الشاب أمر به إلى السجن فمكث فيه ليلته فلما أصبح الصباح حضر الناس يقطعون يد الشاب ولم يبق أحد في البصرة من رجل وامرأة إلا وقد حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى، وارتفعت أصوات النساء بالنحيب فأمر القاضي بتسكيت النساء، قال: لعلك شريك القوم في شيء منه؟ قال: بل هو جميعه لهم ولا حق لي فيه، يريد المرء أن يعطى مناه ويأبى اللـه إلا مـا يريد ثم دعا باجزار ليقطع يده وأخرج السكين ومد يده ووضع عليها السكين فبادرت جارية من وسط النساء عليها أطوار وسخة فصرخت ورمت نفسها عليه ثم أسفرت عن وجه كأنه القمر وارتفع في الناس ضجة عظيمة وكاد أن يقع بسبب ذلك فتنة طائرة الشر، ثم نادت تلك الجارية بأعلى صوتها: ناشدتك الله أيها الأمير لا تعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة، ثم دفعت إليه رقعة ففتحها خالد وقرأها فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات: أخالد هـذا مـسـتـهـام مـتـيم رمته لحاظي عن قسي الحمـالـق فأصماه سيف اللحظ مـنـي لأنـه حليف جوري من دائه غير فـائق فمهلاً عن الصب الكـئيب فـإنـه كريم السجايا في الورى غير سارق فلما قرأ خالد هذه الأبيات تنحى وانفرد عن الناس وأحضر المرأة ثم سألها عن القصة فأخبرته بأن هذا الفتى عاشق لها وهي عاشقة له وإنما أراد زيارتها فتوجه إلى دار أهلها ورمى حجراً في الدار ليعلمها بمجيئه فسمع أبوها وأخوها صوت الحجر فصعدوا إليه فلما أحس بهم جمع قماش البيت كله وأراهم أنه سارق ستراً على معشوقته، فلما رأوه على هذه الحالة أخذوه وقالوا: هذا سارق وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة وأصر على ذلك حتى لا يفضحني وقد ارتكب هذه الأمور واتهم نفسه بالسرقة لفرط مرؤته وكرم نفسه.