قال الرّاوي: كان في بعض البلدانِ القديمةِ جارانِ، لا يحبُّ الخيرَ لأحدٍ إلا لنفسِه، والآخرُ مُتسامحٌ يحبّ الناسَ جميعاً، لا يكفُّ عن الشكوى مع أنّه كان يملكُ أشياءَ كثيرةً، في حين كانَ الآخرُ فقيراً لا يملكُ إلا القليلَ القليلَ، ولكنّه كان راضياً دائمَ الشكرِ لله. قالتْ زوجةُ الفقيرِ لهُ: اذهبْ في سفرٍ، ولمّا لم يكنْ معه ما يدفعُ منه أجـرَ الركوبِ في السفينةِ، فقد زوّدتْهُ زوجتُهُ ببعضِ الأشياءِ، لم يشترِ أحدٌ شيئاً ممّا حملهُ الفقيرُ وهو في طريقِه إلى الميناءِ، ووجدَ سفينةً تريدُ الرحيلَ إلى جزيرةٍ بعيدةٍ، فعرضَ نفسَه على رُبَّانِها أنْ يشتغلَ خادماً على سفينتِه لقاءَ أجرِ الركوبِ فقبِلَ الربّانُ ذلكَ. وحينما وصلتْ إلى الجزيرةِ المقصودةِ، نزلَ معَ الركّابِ يطوفُ في أرجائِها، فساقتْه قدماهُ إلى قصرِ الملكِ، فوقفَ ينظرُ إلى جَمالِ قصرِ الملكِ، فوقفَ ينظرُ إلى جَمالِ البناءِ، ووجدَ جماعةً يدخلونَ فدخلَ معهم، فلمّا جاءَ دورُه سألهُ الملكُ: وأنتَ ماذا معكَ؟ فاحتارَ الرجلُ وتلعثمَ في كلامِه، ثمّ عرضَ على الملكِ ما يحملُ من الأشياءِ التي زوّدتْه به زوجتُهُ، وتوقعَ أنْ يَغضبَ مَنْ حولَه منه، إلا أنّ الملكَ وحاشيتَه أُعجبوا بما معَ الرجلِ، في حين أمسكَ الملكُ بوعاءٍ مُزخرفٍ جميلٍ كان معَهُ، ثمّ وضعَه على رأسِه مُعجَباً به، وقال: لا شكَّ أنّ هذا تاجٌ جميلٌ، وظنَّ أنّ الرجلَ جاء به هديّةً إليه، فسُرّ به سروراً عظيماً، كما أهداهُ رجالُ الحاشيةِ إكراماً للملكِ هدايا قيّمةً. وهكذا عادَ الرجلُ الفقيرُ إلى بلدِه وقد تغيّرتْ أحوالُه، ووفّقه اللهُ إلى تجارةٍ رابحةٍ بما جاء به من أموالٍ، حزنَ جارُ الرجلِ الذي حسدهُ بما وفّقه اللهُ، وقالَ في نفسه: لا بدَّ أنْ أسافرَ إلى الجزيرةِ التي سافرَ إليها جاري، وأحملَ إلى الملكِ هدايا نفيسةً تسرّه، ليأمرَ لي بمكافأةٍ سخيّةٍ أعودُ بها على أحسنِ حالٍ. حملَ الرجلُ الحقودُ ما يَليقُ بالملكِ من الهدايا، وحملَ معه كذلكَ بضاعةً ليُتاجرَ بها في الجزيرةِ التي علمَ أنّها جزيرةٌ مملوءةٌ بالخيراتِ، ورحلَ مع المسافرينَ يَحلمُ بالغنى والثروةِ. ولمّا وصلَ بهداياهُ إلى قصر الملكِ، دخلَ وهو واثقٌ بنفسِه بما يَحملُ من النفائسِ، ودخلَ على الملكِ الذي رحّب به، وقدّم إليه الهدايا الغاليةَ سُـرّ الملكُ بما قدّمهُ إليه سروراً عظيماً، واستبقاهُ عندهُ أيّاماً يأكلُ ويشربُ، ولمّا حانَ وقتُ رحيلِه ودّعه الملكُ بالحفاوةِ، ثمّ قالَ له: أيُّها الرجلُ الغريبُ، لقد أهديتَ إليَّ الهدايا الجميلةَ الغاليةَ، وأنا أريدُ أنْ أكافِئَكَ بأحسنَ ما عندي، ولذلكَ لم أجدْ ما يناسبُ إلا هذا التاجَ الذي على رأسي وهو أغلى شيءٍ عندي. قدَّم الملكُ تاجَهُ إلى الرجلِ الحقودِ الحسودِ، ولم يكنْ سوى الوعاءِ المزخرفِ الذي أهداهُ إليه جارُه. خرجَ الرجلُ من القصرِ مغموماً مهموماً، وازدادَ ما في قلبِه من الحقدِ والحسدِ، ثم قال في نفسِه: لعلّ ما معي من البضائعِ التي تركتُها في السفينةِ يُعوّضني عن خسارتي، فإذا باللصوصِ قد تسلّلوا إلى السفينةِ وسرقُوا ما كان حملَه معهُ. وعاد الرجلُ إلى بلدِهِ مغموماً مقهوراً ليس معه إلا وعاءُ جارِهِ المزخرفُ.