‎الانتماء الديني واحد من أقدم الانتماءات في حياة الإنسان؛ لأنه مرتبط بطبيعته وتركيبته العقلية والنفسية والجسمية التي تجعله محتاجا بالضرورة إلى من يعوضه عما به من نقص وعجز ويمنحه الأمل لتحقيق تطلعاته، وينظم له حياته ويمنحها قيمة ويجعل لها هدفا ومعنى، ويقدم ‎ولة والإنسان ‎ولا يزال الانتماء الديني قائمًا في حياة معظم الشعوب، مهما تعددت معتقداتها ودياناتها، وعلى تفاوت بينها في التمسك والتطبيق لتعليمات الأديان وما تدعو إليه. ومن يقرأ في تاريخ الأديان والملل والدول سيجد أن الثقافات والحضارات أثرت في الأديان وأضفت عليها ألوانا منها وصبغتها بصبغاتها التي تميز كل دين بلون من الحضارة والثقافة التي ينشأ في كنفها. ويعمد المتعصبون إلى المزج بين القوميات والأديان إمعانا في شد الناس إلى الأديان وطلبا للحصول على تأييد الأتباع، وهذا يجعل الأوطان ضيقة على أهلها إلا من كان على دين المتعصبين، وقد يحرف الدين عما كان عليه عمدًا فيدخل فيه ما ليس منه إرضاء المتبوع أو تحقيقا لمآرب خفية ومصالح فئوية أو شخصية. ‎لقد انقسم أتباع بعض الأديان إلى طوائف وفرق غير متفقة وذلك لغياب ‎الانتماء الذي يوحدهم. ولقد استغل الانتماء الديني والطائفي على مر التاريخ لتأجيج نيران الحروب باسم الدين في ظاهر الأمر، وقد يكون الغرض المخفي من وراء ذلك مصالح اقتصادية أو سياسية؛ فباسم الانتماء الديني قامت حروب طاحنة في جميع العصور، ولا تزال البشرية تعاني بعض الصراعات الدينية القائمة، ويخشى أن تنفجر صراعات جديدة أشد خطرا وضراوة. وفي أحايين كثيرة تقوم الصراعات بين أتباع الدين الواحد ممن تفرقوا فيه، ‎وإذا كان لمثل هذا الاختلاف من مسوغ عند أتباع بعض الديانات الأخرى، فأي مسوغ لهذا التفرق الحاصل بين المسلمين الذين يتفقون في أركان الإسلام، هي الكعبة المشرفة، ولا نبي إلا واحد؛ هو محمد عليه الصلاة والسلام. ومع هذا تفرقوا وانقسموا وتنازعوا وتخاصموا وتباغضوا وتدابروا وتناحروا وتقاتلوا نتيجة انتماءات مذهبية وطائفية متصارعة، وهي السبب الأكبر لما هم عليه من الفرقة والتشتت. ‎لقد كانت المذاهب في أول نشأتها آراء فقهية اجتهادية في مسائل فرعية من الدين قبل أن يجعل منها المتعصبون معايير للدين وشروطا للنجاة والقبول عند الله. لقد نجح المتعصبون في جعل الاتفاق في هذه المسائل الجزئية الاجتهادية أساس الانتماء الإسلامي، فأحدثوا بهذا أكبر انقلاب فكري وعقائدي في تاريخ المسلمين جعلهم أعداء لبعض، متفرقين على أسس من الانتماءات المذهبية منذ قرون،