هي المظهر العلني لحركتنا السرية ، والكلمة الأولى في حركتنا ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ . وانتخابات النادي كانت تتم في هدوء خلال السنوات السابقة ، من المهتمين بالسياسة يلقي بالا إليها ؛ لأن المرشحين كانوا يتبارون على خدمة زملائهم وتوفير أفضل الوسائل لراحتهم . ولكن الأمر اختلف عام ١٩٥٢ . بل يمكن القول بأنه تغير تغيرا كاملا . بعض الأمر تم بإرادتنا والبعض فرض علينا فرضًا . استقر رأيي على أن أرشح نفسي رئيسًا لمجلس إدارة النادي لجس نبض الحالة وتحديًا للملك الذي نقلني من سلاح الحدود . وأشعل معركة الانتخابات إصرار الملك على ترشيح اللواء حسين سري عامر وكأنه هو الذي يلقي القفاز في وجهي . واجتمعت الجمعية العمومية للضباط وقررت أنه لا يجوز ترشيح اللواء قررت ذلك وأعلنت عن موعد الانتخابات دون استجابة لرأي الملك . وكانت فترة الانتخابات فرصة هائلة للالتقاء مع الضباط في ناديهم بالزمالك الذي كان قد ضم إليه مبنى الاتحاد المصري الإنجليزي الذي لعب دورًا رئيسيا في توجيه السياسية المصرية خلال الحرب العالمية الثانية . كان الضباط يحتشدون في النادي كل ليلة، وتدور المناقشات واضحة صريحة . ولا تدور عن أسعار الطعام والمشروبات . وكانت نبرة الرفض والغضب تتصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات . لم أكن المرشح الوحيد للرئاسة . كان ينافسني ثلاثة ضباط آخرين أحدهم اللواء حافظ بكري مدير سلاح المدفعية واللواء إبراهيم الأرناؤوطي مدير المهمات واللواء سيد محمد مدير الصيانة . ولم تكن النتيجة غريبة ؛ لأنها كانت نابعة من إدراك الضباط الحقيقة هامة. وهي أنهم لا يجوز أن يعطوا أصواتهم لقيادات تقليدية تسير في ركب السراي والسلطة بلا وعي ولا إرادة . حصلت على عدة مئات من الأصوات، ونجح في مجلس الإدارة أيضًا عدد من الضباط المرتبطين بنا ، نجح القائمقام رشاد مهنا سكرتيرا للنادي ، مجلس الإدارة كل من البكباشي زكريا محيي الدين ، وقائد الجناح حسن إبراهيم والصاغ جمال حماد . ولكن الملك لم يقبل هذه النتيجة أو هذه الهزيمة . استدعاني الفريق محمد حيدر إلى مكتبه ومعي رشاد مهنا وقال لنا في صراحة : أن أوامر ( مولانا » أن يدخل حسين سري عامر مجلس إدارة النادي . وقلت لحيدر : إن هذا ليس من حق مجلس الإدارة . فإذا أصر «مولانا» فاعقد الجمعية العمومية واعرض الأمر رغم ظهور نبرة تهديد صريحة في حديث حيدر عندما وحاول الملك محاولة أخيرة لتعديل لائحة النادي عن طريق الجمعية العمومية بما يسمح بإدخال حسين سري عامر ممثلا للحدود ولكنه مني بالفشل أيضًا. فأصدر أمرًا بحل مجلس إدارة النادي وتعيين مجلس مؤقت برئاسة شقيقي علي نجيب . ولم تكن هذه الحركة تدل على لأنها أشعلت غضب الضباط كالنار في الهشيم . وفي هذا الجو المشحون فوجئت بخبر أثارني تماما . وأسرعت إلى مكتب حيدر محتجا . وقال الرجل : إنه لا واتصل أمامي تليفونيا بمدير المدفعية الذي أبلغه أن رشاد مهنا قد نقل للعريش بناء على طلبه . ونزلت من مكتب حيدر إلى منزل رشاد مهنا فوجدت أن الخبر صحيح وأن تبرير رشاد مهنا له هو رغبته في الابتعاد عن القاهرة في هذا الوقت الذي يلاحقنا ولم أقتنع أيضًا بانفراده في اتخاذ القرار في هذه الفترة قد دخلت أيامًا مظلمة . والوزارة الشعبية أقيلت . والكفاح المسلح في القناة توقف . والوزارات الجديدة لا تكسب ثقة الشعب ، وبدأت ألاحظ أني موضوع تحت الرقابة . وناس لا أثق فيهم يحاولون أن يستدرجوني في الحديث . الحكيم عامر حتى نجنح جميعًا إلى مزيد من السرية في الاتصالات دون تردد أو وفكرنا في القيام بتحريك القوات في الأيام التي أعقبت حريق القاهرة ولكن الموقف فيما يبدو لم يكن ناضجا لذلك . وأصبحت أمامنا بعد حل مجلس إدارة النادي ثلاثة طرق مفتوحة : الأول : إرسال برقيات احتجاج من الضباط للملك ولكني كنت ضد هذا لأنه كان سيكشف أسماءنا أولا ولن يستجيب الملك له ثانيا . الثاني : كان متطرفًا إلى حد ما هو احتلال النادي بالقوات المسلحة وقد رفضته أيضًا لاحتمالات التصادم المسلح بين أفراد الجيش وهو ما تحاشيته دائما حرصا على ألا يقتل مصري ابنا من أبناء وطنه . الثالث : تجميع كبار الضباط واعتقالهم وفرض شروطنا على الملك . هذا الحل هو ما وافقت عليه وقررنا الأخذ به . وبقي تحديد الموعد المناسب . وكنت على ثقة تامة من أن الشعب والجيش معا ينتظران حركة تغيير الأوضاع وكان عجز الوزارات التي شكلت بعد حريق القاهرة حافزا على تحقيق كنا نلعب لعبة مكشوفة . الكل يلمس أن شيئًا ما يحدث في صفوف الجيش ، يعبر عن ذلك انتظام منشورات الضباط الأحرار» ولكن التفاصيل والأسماء كانت إلى حد ما مجهولة . وفوجئت يوما باللواء أحمد فؤاد صادق يزورني في مكتبي ويروي لي همسًا أنه كان في منزل الدكتور يوسف رشاد ، وإذا بعد اتصال تليفوني يعود له قائلا بأنه سوف يقبض على اللواء محمد نجيب لاتهامه بتزعم حركة ثورية داخل الجيش . استطرد أحمد فؤاد صادق قائلا إنه قد نفى ذلك نفيا قاطعا وإن يوسف رشاد لأنها تتعلق بحياة ملك ورغم ذلك فإنه يبدو أنه قد اقتنع على حد تعبيره . وأدركت أن اهتمام يوسف رشاد يعود إلى الدور الذي رسمه له في الحرس الحديدي - كما سبق أن ذكرت . وأصبحنا في سباق مع الزمن . وكانت وزارة نجيب الهلالي قد استقالت وتولى حسين سري رئاسة الوزارة الثالثة خلال ستة شهور بعد حريق القاهرة . وفي يوم ١٨ يوليو حضر إلى بعد الغروب بقليل رجل أعرفه وطلب مني الذهاب لمقابلة محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية، وزوج بنت حسين سري والرجل القوي في وزارته . ولما كنت أعرف هذا الرجل منذ كان يعمل مع محمود فهمي القيسي «باشا» وزير الداخلية وقريب زوجتي فقد خرجت معه مطمئناً دون أن أحمل سلاحًا . ولم نجد الوزير في الشقة التي أخذني لها في الزمالك فاتصل به الرجل تليفونيا ، فأجاب بأنه سيعود فور انتهاء اجتماع مجلس الوزراء . ومرت الدقائق والساعات بطيئة وثقيلة ، وتجاوز الوقت منتصف الليل ولم وبدأت الشكوك تلعب في نفسي بأنني ربما قد وقعت في كمين . ودرت بنظري في غرفة الصالون الفاخرة التي أجلس بها . مقعد بجوار زهرية من النحاس الثقيل لأستخدمها في الدفاع عن نفسي إذا وفي الساعة الواحدة والقلق يستبد بي وصل وزير الداخلية ، أخذ يسألني عن أسباب تذمر رجال الجيش وعن مطالبهم . وأطنبت في شرح أسباب التذمر ، وأرجعتها إلى أننا نحكم حكما ديكتاتوريا ، وليس حكمًا ديمقراطيا معبرًا عن إرادة الشعب . وأدار هاشم «باشا» الحديث فجأة ، ليسألني عما إذا كان تعيين وزير حربية يعتبر كافيا لإزالة أسباب التذمر ، وخلق حالة من الرضا بين الضباط . واستطرد متسائلًا عما إذا كنت أنا شخصياً أقبل هذا المنصب ؟ ولكني أجبت بالرفض مباشرة متعللا بأن وكالة وزارة الحربية عرضت عليَّ ورفضتها ، وأني لا أفضل عن مكاني في الجيش شيئًا . قلت له مداعبًا : إذا عينتموني وزيرًا للحربية فإن وزارتكم ستقال في اليوم التالي . وكان رفضي في الحقيقة مستندا إلى شعوري بأنهم يقومون بمناورة لإبعادي وخلال هذا الحديث الذي امتد حتى الثانية بعد منتصف الليل ، «باشا» بطريقة عابرة أن هناك لجنة من ۱۲ شخصًا عرفت الجهات المسؤولة أسماء ثم لم يشأ أن يصرح بشيء . وأبديت له عدم الاكتراث بمثل هذا مؤكدًا له أن هناك شعورًا عامًا وجارفًا في صفوف الجيش ضد كثير من وأثناء عودتي إلى منزلي في الزيتون ، وكان ليل القاهرة هادئا صافيًا استرجعت وأدركت أن الموقف خطير . ووجدت زوجتي عائشة تنتظرني بشرفة المنزل في قلق شديد . وكانت تلحظ وجود بعض الأغراب حول المنزل وتنبهني لذلك . فلم أكن حتى هذه اللحظة قد نمت نوما متقطعا وأنا أرنو إلى نور الصباح . حضر الصاغ جلال ندا الضابط السابق الذي كان يعمل محررًا عسكريا بدار أخبار اليوم ، ومعه محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة وقتئذ» لسؤالي عما تم في مقابلتي مع محمد هاشم «باشا» وزير الداخلية . معرفة المقابلة. وكنت أعرف محمد حسنين فقد كان مراسلًا حربياً أثناء معركة فلسطين وحضر لتغطية الموقف عقب معركة أسدود، كما أني عرفته بالمحامي عبد الحميد صادق الذي كان يصرف من جيبه الخاص على كتائب الفدائيين في معركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز بالقناة ١٩٥١ وذلك ليعمل تحقيقا صحفيا عن الفدائيين . عامر على غير موعد . ولما وضح من حركتها أنهما يريدان أن يسرا إلي بشيء ما ، وكان لقاءه الأول لهما . وفي هذه الجلسة تحدد موعد الثورة . كان جمال وعبد الحكيم يريدان أن تكون الحركة يوم ٤ أغسطس لسببين : أولهما : اكتمال وصول الكتيبة ١٤ مشاة إلى القاهرة في حركة التنقلات العادية . ورفضت السببين ، فإن القوات التي كانت معنا تعتبر كافية لإنجاح مهمتنا ، وليس هناك مبرر للتأجيل من أجل استلام المرتبات. الداخلية في جلستي معه الليلة الماضية، واتفقنا على أن تحركنا يجب أن يتم خلال أيام محدودة حتى نحقق عنصر المفاجأة . سباق رهيب مع الزمن . بتحديد الموعد . الشخصية ، وكنت مركز اهتمام أجهزة الأمن التي لم يكن ينقصها الشك في وإن كان ينقصها المعرفة لاعتقال كل المتصلين بي . لأنه لا اللواء محمد نجيب والاثنى عشر ضابطًا الذين يعملون معه وأنت تعرفهم ) . كما أكدت هذه الحقيقة رسالة تليفونية من الإسكندرية تلقاها البكباشي رئيس تحرير المصري، تقررت لعدد من الضباط . رئيس هيئة أركان الحرب أسماء عدد من ضباط الثورة وقد تقرر نقلهم خارج القاهرة . وكان مقدرا لي أن أصبح قائدا للمنطقة الجنوبية في منقباد بمديرية أسيوط . وتقرر أن تكون الحركة ليلة ٢١ - ٢٢ يوليو ثم تأجلت يوما لإبلاغ أكبر عدد من الضباط الأحرار وتجهيز الوحدات وإبلاغ المناطق الخارجية . وفكرنا في تضليل أجهزة الأمن بسفري خارج القاهرة إلى قريتي «النمارية» ولكنا صرفنا النظر عن ذلك كما أن وجودي في القاهرة اعتبر ضروريًا للرجوع إلى عند أية مفاجأة . نجيب الهلالي . الاهتزاز . ولكن نجيب الهلالي لم يوافق ، فقرر تعيين صهره زوج الأميرة فوزية الأمير الاي إسماعيل شيرين ، بسلاح الحدود ، وكان يعاونه البكباشي محمود رياض أمين الجامعة العربية الحالي . وتخلق لها رأيا عاما مؤيدا في صفوف الجيش والشعب معا . الساعة الحاسمة تقترب ووزارة نجيب الهلالي تحلف يمين الولاء للملك . وعلمت من شقيقي اللواء علي نجيب أن مؤتمرًا سوف يعقد في القيادة العامة يحضره اللواء حسين فريد وقادة الأسلحة والخدمات في العاشرة مساء . الشبهات ؛ لأنه من أركان حربي السابقين ، وقررت أن يتم اعتقالهم أثناء وجودهم في المؤتمر حقناً للدماء ، وأعطيت تعليمات بذلك لعبد الحكيم عامر . وكانت خطة العمليات التي وضعها زكريا محيي الدين المدرس بكلية أركان الحرب في ذلك الوقت تقضي بأن أبقى في المنزل حتى تتم التحركات العسكرية ثم أذهب إلى رئاسة أركان الحرب لتولي القيادة ؛ يفسد الخطة . وكان بعد منزلي في الزيتون عن طريق تحركات الجيش باعثاً على قلقي وشغفي لمعرفة ما يحدث وظللت طول الوقت أنفث الدخان من غليوني الصغير. وكانت زوجتي عائشة ترقب الموقف من بعيد وهي تدعو الله بنصر الحركة. مراقبة المخبرين للمنزل . وعند منتصف الليل اتصلت بنا زوجة شقيقي علي تسأل عنه وتقول : إنه ليس من عادته التأخر دون إبلاغها . وطمأنتها قائلاً إني سأبحث عنه . ولم أحدثه عنها مطلقا ، رغم ثقتي به ؛ عن الأمن والنظام بها . وإن كنت قد نصحته من طرف خفي بأن يجري تدريبات وذلك تسهيلا مرة ؛ لأنهم ربما لو عرفوا أنهم يتحركون لانقلاب لأحجم بعضهم أو أفشى السر . ثم أبلغني أن بعض ضباط البوليس قد أبلغوه أن قوات الجيش تتحرك إلى قصر عابدين . من صحة ذلك . الليلة . ثم أبلغته عن سؤال زوجته عنه . لي أهم خبر في حياتي . ونكسة وتعرض للخطر . الدقائق تمر بطيئة والثواني أصبح لها زمن . وليل القاهرة هادئ وصامت ، ولم أكره الصمت في حياتي مثلما كرهته في هذه الليلة . ولكن الالتزام بالخطط العسكرية شرط من شروط نجاحها . ونحن قد قتلنا هذا الموضوع بحثا وانتهى العامة ؛ كلها للفشل . وتحرك الجهاز الصامت فجأة وعلا صوته، ورفعت السماعة فإذا بالمتحدث مرتضى المراغي وزير الداخلية وفريد زعلوك وزير الدولة وهما يقولان لي : إن مصلحة الوطن . ولما ألحوا في الرجاء وعدتهم خيرًا وأغلقت السماعة ، وقد بدأ الأمل في النجاح ينعش نفسي . ولم تمضي دقائق حتى علا رنين التليفون واستبدت بي الإثارة فقد خامر ني يقين بأن اللحظة الحاسمة التي كنت أترقبها قد حانت وأمسكت التليفون بلهفة شديدة وسرعان ما دب الاطمئنان إلى قلبي فقد طرق سمعي صوت الصاغ جمال حماد المسلحة ، وكان الصاغ جمال حماد أركان حربي بسلاح المشاة وأحد الضباط الأحرار المسؤولين عن تنفيذ خطة الثورة وقد عين بعد ذلك ملحقا عسكريًا بدمشق وبيروت ورقي إلى رتبة اللواء ثم عين محافظا لكفر الشيخ ثم المنوفية ، وأبلغني جمال حماد وقتئذ أنه سيرسل لي ثلاث عربات مدرعة لإحضاري من المنزل ولكني أخبرته بأن لا داعي لذلك فإنني سأركب فورا عربتي الأوبل الصغيرة التي يقودها سائقي الخاص توفيرا للوقت . وصلت كوبري القبة وهناك تلقاني بعض ضباط الثورة وانتقلت من عربتي إلى عربة جيب دخلت بها مركز قيادة الجيش . ولم أجد حسين فريد في مكتبه وإنما وجدت ضباط الثورة ينصتون وقوفا للبكباشي يوسف صديق الذي كانت قواته القادمة من هايكستيب - في ضواحي القاهرة البعيدة - هي أول قوات تحتل القيادة وتعتقل اللواء حسين فريد وتنقله إلى معسكر الاعتقال في الكلية الحربية المواجهة لها . وكانت لحظات عامرة بالحب والثقة . كل ضابط يهنئ زميله ويقبله والبشر يملأ الوجوه رغم ليلة طويلة بلا نوم . وأشرق على القاهرة فجر يوم بهيج . كلهم أولادي ، تجاوزت الخمسين وهم بعد ما زالوا في ربيع العمر لم يتجاوز أكبرهم الخامسة والثلاثين . تماما ، وتم اعتقال الباقين في الصباح . ولم يكن هناك لواء عامل في الجيش يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ينعم بحريته سواي ، حتى شقيقي علي دخل المعتقل مع زملائه . وما أن أشرق الصباح حتى تلقيت مكالمة من رئيس الوزراء أحمد نجيب لتلبية هذا الطلب . ولما استفسر مني عن طلباتنا قلت له : إننا نطالب بالآتي : - تكليف علي ماهر بتشكيل الوزارة. ٢ - تعييني قائدا عامًا للقوات المسلحة . طرد محمد حسن وحلمي حسين وأنطوان بوللي من حاشية الملك . وقد رأيت تقديم هذه الطلبات للملك حتى إذا رضخ وقبلها عرفت أنه في ركز ضعف وأنه لا يستند إلى قوات الاحتلال كما نمى إلى علمي . وانتهت المحادثات لأتلقى محادثة أخرى من مرتضى المراغي وزير الداخلية ولكني قلت له : إنه لإحضاره ، ولكنه بدلا من الحضور عاد على الطائرة نفسها إلى الإسكندرية . كان البيان الأول للثورة قد أذيع باسمي في السابعة صباحًا بصوت أنور إلى الشارع . واهتز قلبي فرحًا وأنا أرقب الجموع ملتفة حول أجهزة الراديو في المحلات تتابع البيانات الصادرة وهي تهتف وتصفق . الحركة ، جعلني أبتهل إلى الله أن يهبني من القدرة ما يجعل هذه الحركة لخير الشعب الذي طال به الذل والحرمان . التأييد ، ومنحني ذلك قوة أنستني الجهد والتعب وعدم النوم . وتوجهت بعد ذلك مع أنور السادات إلى منزل علي ماهر بالجيزة وعرضت عليه تولي رئاسة الوزارة التي أبلغتها لنجيب الهلالي والتي أبلغت إلى الطيار في كوبري القبة . وافقت طبعا ، من الملك . لتحسين حالة الجيش . شرحت مطالب الجيش لعلي ماهر الذي تسائل مستطلعا : وقلت له مداعبًا : ليس عندنا مانع أن تصل الأمور لتكون رئيسا للجمهورية . بالملك تسهل عمليتنا ، بعلاقاتها في الأيام الأولى ، قديمة . لاهتماماته بموضوع السودان . وعدت إلى القيادة فعلمت أن نجيب الهلالي قدم استقالته في ظهر يوم ٢٣ يوليو بعد يوم واحد من توليه المنصب وأن الملك قد قبلها . الحيوية . ولكني طمأنته تماما ، ويبدو أنه اقتنع ؛ لأنه صارحني بأنه يود تشكيل وزارته من نفس الوزراء الذين ألفوا معه الوزارة بعد حريق القاهرة . وقابلت علي ماهر مرة ثالثة في الصباح الباكر من يوم الخميس ٢٤ يوليو قبل سفره إلى الإسكندرية لمقابلة الملك . وصرح بعدها علي ماهر بأن الملك قد قبل كل مطالب الجيش ، وأنه وقع مرسوما بتعييني قائدا عاما وترقيتي إلى رتبة الفريق . كتحصيل لأمر واقع بعد أن وقعت البيان الأول بصفتي قائدا عاما . الملك وصل متأخرا في سباقه مع الزمن . كنا قد قررنا في اجتماع طويل استمر ليلة ٢٣، ٢٤ يوليو أن نعزل الملك ، وقررنا ألا يعرف علي ماهر هذه الحقيقة . وفي هذا الاجتماع أيضًا قررنا إرسال بعض المدرعات والمدفعية لدعم قواتنا بالإسكندرية استعدادًا لعملية عزل الملك . وكنت قد اتصلت بالإسكندرية عصر يوم ٢٣ يوليو ورد على اليوزباشي أحمد وكلفته أن يراقب طريق الغرب إلى مرسى مطروح ؛ لأنني علمت أن حسين سري عامر قد هرب ولم يقبض عليه وأن هناك احتمال فراره إلى ليبيا . وكانت قوات الإسكندرية في ذلك الوقت لا تتجاوز لواء مشاة وبعض الملك وإخراجه في هدوء. وحصار الملك ، وذلك امتدادًا للخطة التي وضعها لتحريك القوات بالقاهرة . العمليات ليلة الحركة . حيث كان جمال سالم في العريش ، وصلاح سالم في رفح ، وعبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم في المنزل أيضًا في انتظار احتلال القيادة للتحرك مع بعض القوات الاحتلال المطارات ، وقد نفذا ذلك فعلا في صباح ٢٣ يوليو . وبدأ تحرك القوات للإسكندرية . القائمقام أحمد شوقي قائد الكتيبة ١٣ المدافع الماكينة ، عبد المنعم أمين قائدا للمدفعية. قائدا السادات وحسين الشافعي وزكريا محيي الدين إلى الإسكندرية . كانت المدينة في حالة ابتهاج واضحة إذ أنها كانت مليئة بالمصيفين وكانت والتصفيق . وتمنيت أن يتم خلع فاروق دون إراقة دماء أو التحام مع جنود الحرس الملكي كانت الخطة معدة للتنفيذ في نفس اليوم ، ولكن البكباشي زكريا محيي الدين الحركة ، وأن الطابور المدرع تنقصه بعض التجهيزات الإدارية . وحاول جمال سالم الاعتراض بدعوى أننا نحن أيضا لم ننم منذ بدأت الحركة ، ولكني حسمت الأمر بتأجيل العملية إلى السبت ٢٦ يوليو حتى يستريح الجنود . وكنت قد اتفقت مع علي ماهر على مقابلته في ذلك اليوم وفي نيتي أن أفاجئه ولكني غيرت خطتي فجأة، التي كان قد أعدها تنفيذا لمطالبنا . وتذكرت أني عملت معه. عضوا في محكمة عسكرية عليا كان يرأسها أثناء الحرب العالمية الثانية . وتعمدت أن أطمئن علي ماهر بأن كل شيء يمضي بطريقة طبيعية . وعندما رجعت إلى القيادة بثكنات مصطفى كامل أثار جمال سالم إشكالا استغرقت مناقشته وقتاً طويلًا . ولكنه لم يقرر شيئًا عن مصيره. هل يقبض عليه ويحاكم ؟ هل يعدم ؟ هل يكتفى بخلعه عن العرش ؟ وبدأنا نبحث مصير فاروق . وكان جمال سالم أكثر الموجودين حماسة لإعدام فاروق أو محكامته مستندًا في ذلك إلى أخطائه التي ارتكبها ، والضحايا الذين سقطوا نتيجة لها . وتأثر بحماس جمال سالم كل من عبد المنعم أمين وزكريا محيي الدين فوافقا على الإعدام بينما وقفت ضد هذا الرأي ومعي يوسف صديق وحسين الشافعي . وهكذا انقسم الرأي إلى مجموعتين متساويتين، وامتد النقاش إلى الثانية بعد وفجأة لاح لي خاطر سرعان ما أعلنته ، وهو أننا نشكل نصف أعضاء مجلس القيادة وأنه في مثل هذا القرار الخطير يجب أن نأخذ رأي الجميع . ولما كان ذلك مستحيلا بالتليفون لظروف الأمان ، فقد كلفت جمال سالم بأن يركب طائرة فورًا إلى القاهرة ويعرض الأمر على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وخالد محي الدين وعبد اللطيف بغدادي وكمال الدين حسين ويعود برأيهم في : هل يعدم أو يسجن ويحاكم أو يطرد فقط ؟ ونترك الحكم عليه للتاريخ . وتوجهت المقابلة علي ماهر في رئاسة الوزارة ببولكلى لتسليمه الإنذار ليحمله لم أجد علي ماهر . كان قد توجه إلى قصر رأس التين بعد أن أبلغه سليمان عليه الرصاص، على أن يعود بعد مقابلة الملك إلى بولكلى. وأبلغني سليمان حافظ أن مستر سباركس» مستشار السفارة الأمريكية موجود منذ مدة في حالة اضطراب وانفعال شديدين ويقول : إنه موفد من مستر ومدى ما يترتب على ذلك من أضرار قد تسيء إلى مصلحة البلاد . وهدأت مستر سباركس قائلا له : إنه قد بلغني أخبار بمحاولات لإحداث شغب في المدينة فأمرت بتوزيع قوات الجيش عليها حماية لها من أية احتمالات ، وفي الصباح ظن حرس القصر أن القوات التي اقتربت منه تنوي الهجوم عليهم فأطلقوا النار عليها ، وتبادلوا إطلاق النار . وأخبرته بأنني أمرت بإجراء تحقيق لمعرفة المخطئ من الفريقين. وانصرف مستر سباركس وقد خف اضطرابه وهدأت حدة انفعاله . ووصل علي ماهر بعد لحظات من قصر رأس التين حيث كان يقابل الملك وقدمت له إنذار الجيش للملك قبل الساعة السادسة مساء. وارتجفت شفتا علي ماهر وهو يسمع حديثي وشحب وجهه ولكنه جلد وقال لي : « زي ما تشوفوا » ، ثم غادر بولكلى إلى القصر مرة ثانية في نفس الصباح . وغادرت بولكلى إلى ثكنات مصطفى كامل ترقبا لما يمكن أن يحدث من الملك . وخاصة بعد أن سمعت أزيز في قصره . حاصروا القصر . كنت أعتمد على السرية وأعتبرها أهم سلاح في أسلحتنا . وقبل الظهر توجهت إلى بولكلى مرة ثانية ومعي جمال سالم وأنور السادات وأطلعنا على الوثيقة التي أعدها الدكتور عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة وسليمان حافظ وكيل هذا المجلس والتي كانت في صيغة أمر ملكي مستلهم ديباجته من الدستور . وافقت على الصيغة بعد إضافة عبارة اقترحها جمال سالم وأيده فيها الدكتور عبد الرزاق السنهوري وتفيد بأن النزول عن العرش كان استجابة لرغبة الأمة. الساعة الثانية عشرة حسب إنذارنا له . وشعرت بنوع من الاسترخاء لأول مرة منذ ليلة ٢٣ يوليو وأنا أستمع لحديث علي ماهر في مكتبه وهو يروي لي كيف أنه لم يطلع الملك على نص إنذاري المكتوب ؛ لأنه كان عنيفًا شديد اللهجة ،