ثانياً - النظرية النقدية الحديثة : جميع النظريات الحديثة التي تعنى ببحث قيمة النقود وتقلباتها إنما تبنى دراستها على الدخل سواء كان الدخل الفردي أو الدخل القومي. ولذلك تتفق هذه النظريات في أنها تركز البحث فيها وراء عناصر معادلة التبادل والمهم فيها أنها تعنى بالدورة الاقتصادية أي بالنظام الاقتصادي في حالتي اليسر والعسر، وتعتبر التقلبات النقدية جزءاً من التقلبات العامة التي يسجلها هذا النظام. وهي نظرية تقوم على تحليل الدخل الفردي ؛ ثم نظرية كينز وهي تقوم على الدخل القومي ؛ بدأت مدرسة كمبردج بالكاتب الفريد مارشال ثم بيجو. وتضم مدرسة كمبردج في مقدمة أتباعها المعاصرين بيجو وروبرتسون. ويبدأ الكاتبان بحثهما من مقدمة نظرية الدخل التقليدية وهي أن قيمة النقود نتيجة الحركة الدخول قبل أن تكون نتيجة لكمية النقود. ولذلك يجعلان كل اهتمامهما إلى البحث في العوامل التي تدعو إلى تقلب دخول الأفراد، تخضع قيمة النقود عند بيجو كقيمة أي شيء آخر للظروف العامة المتعلقة بالطلب والعرض. ولذلك يأخذ بيجو في دراسة طلب النقود أي حاجة الأفراد إليها، ثم يقابل الطلب بالعرض ويحدد قيمة النقود. وهو يرى أن احتفاظ الفرد بجزء من النقود حاضراً تحت يده إنما ينطوي على تضحية إيجابية من جانبه ذلك أن النقود لا تتبقى لديه إلا نتيجة لأنه أنفق أقل مما حصل من دخل. كذلك فإن إصرار الفرد على الاحتفاظ بهذه النقود ينطوي بدوره على تضحية سلبية هي امتناعه عن الشراء. ولذلك يحاول الفرد أن يوفق بين اعتبارات الأمان والسيولة التي تدعوه للاحتفاظ بالنقود لديه كاحتياطي وبين تضحيته بالاستهلاك الحقيقي عندما يستمر في الاحتفاظ بهذا الاحتياطي، وأمامه ثانياً أن يحتفظ بالدخل في شكل حقوق على النقد للحصول على منافعها الإقتصادية. ولا يعني بيجو بأن يبحث في الاستعمال الأول وهو الاستهلاك. وإنما تنحصر المسألة عنده في الخيار بين الاحتفاظ بالنقود كوسيلة لتحقيق الضمان والسلامة بصفة خاصة وبين استخدامها في أغراض الانتاج وتحقيق الضمان والسلام بصفة خاصة وبين استخدامها في أغراض الانتاج وتحقيق الربح. وتتم المفاضلة بين هذين الاستعمالين على ضوء مبدأ تناقص المنفعة أو الغلة فنجد أن منحنى كل من الاستعمالين يتجه إلى أسفل دلالة على خضوعهما لمبدأ تناقص الغلة. ويتوزع إيراد الفرد على كلا الاستعمالين إلى الحد الذي يتساوى عنده الاشباع الناتج عن كل من الوحدة الأخيرة من الدخل في كلا الاستعمالين. وطبقاً لذلك يزيد مبلغ الإحتياطي النقدي كلما قلت جاذبية استعمال الدخل للانتاج وزادت جاذبية استعماله كنقود. وتتوقف جاذبية الإنتاج على مبلغ الربح المتوقع. ويتوقف ذلك بدوره على فترات الوقت التي تدفع فيها الدخول للأفراد. فإذا كان الفرد يتلقى ألف جنيه دفعة واحدة كل عام فإنه يحتفظ في المتوسط بجزء أكبر من هذه الموارد في صورةنقود عما لو كان يقبض هذا المبلغ على دفعات يومية قدر كل منها جنيه واحد. كما أنه يتوقف على مدى التقدم الذي أصابه التنظيم الصناعي في التخلص من الديون بغير استعمال النقود. وإلى جانب اليسر والسهولة فإن الاحتفاظ بالنقود يعتمد على ما يتوقع الأفراد المستقبل النقود لقوتها الشرائية العامة، والمستوى الأسعار في فترة مقبلة. فإذا توقع الأفراد انخفاضاً في قوة النقود على شراء السلع بعد تاريخ مقبل قل ما يحتفظون به من نقود. ويندر أن يتساوى مقدار الخصوم والأصول في ذمة كل فرد. ثانياً - أنه يمكن افتراض أن قيم السلع تتحدد بعضها بالنسبة لبعض بغير تأثير من جانب النقود. وذلك بدلا من الاهتمام بسرعة تداول النقود. وبذلك تبنى البحث على اعتبار شخصی هو رغبات الأفراد وتجعلها السبب النهائي في كل طلب. أي أن كمية النقود في سرعة تداولها تساوي كمية النقود مقسومة على الاحتياطي النقدي، ومن هنا تتعارض سرعة التداول س مع الحصة التي يحتفظ بها الأفراد كاحتياطي نقدي ص. فكلما زادت نسبة الاحتياطي كلما مالت سرعة تداول النقود إلى البطء. وعندئذ ترتفع الأسعار بنسبة أقل من التوسع في عرض النقود. وعندئذ ترتفع الأسعار بنسبة أكبر من زيادة عرض النقود.