قبل نحو ثلاث سنوات تحدثت عن الحلم الذي بدأ يتحقق وقلت إننا نطمح الى زيادة قدراتنا التنافسية العالمية التي تتضمن موقعاً استراتيجياً بين الشرق والغرب، وبنية تحتية متطورة تجمع بين الجودة والتكلفة الاقتصادية الفعالة والحد الأدنى من هذه مفاهيم اقتصادية تبدو غاية في العصرنة، بل إن مفهوم غياب الضرائب» مفهوم متقدم ليس على العصر فقط بل على المستقبل المرئي أيضاً لأن معظم دول لم تجد بعد المعادلة الاقتصادية التي تمكنها من مجرد التفكير بالغاء الضرائب. وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية علينا الاعتراف بأن الضرائب أصبحت في دول كثيرة صناعة قائمة بذاتها لم تتوقف عن النمو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فكثرت طبقاتها وشرائحها وتعددت مستوياتها وأنواعها وبانت تطال الأحياء والأموات على حد سواء، وإذا استطعنا أن نصف مفهوم غياب الضرائب الآن بأنه مفهوم متقدم على العصر فيماذا كنا سنصف هذا المفهوم لو أطلقناه قبل مئة عام حتى لو لم يكن المفهوم شاملاً ؟ أنا أصوغ مفاهيم السياسات الاقتصادية المتطورة وغياب الضرائب بكلام العصر لكني أحسب أحياناً أنني أردد مفاهيم عرفتها دبي قبل تأسيس منظمة التجارة العالمية بمئة عام، وكانت أحد أهم أسباب المكانة التجارية العالية التي احتلتها دبي ففي عام ١٩٠٢ أصدر الشيخ مكتوم بن حشر، قراراً بإعفاء الواردات من الضرائب الجمركية فتدفقت البضائع المشحونة من الهند إلى دبي وتحولت بسرعة إلى أهم مركز في الخليج لإعادة تصدير البضائع إلى موانئ الدول المجاورة أو شحنها إلى المناطق الداخلية المهمة مثل واحة البريمي، وانتقل إلى دبي عدد كبير من كبار تجار الخليج . فانتقل إلى الإمارة عدد كبير من تجار اللؤلؤ في المنطقة وما وراءها، وكانت الإمارة بذلك من بين أكثر المستفيدين من هذه التجارة في الخليج، إلا أنها كانت أيضاً الأكثر تأثراً بانهيارها إذ راجت في الإمارة آنذاك نشاطات تجارية وصناعية محدودة إلا وخلال سبعة عشر عاماً بين بداية الكساد الكبير (۱۹۲۹) ونهاية الحرب العالمية الثانية (١٩٤٥) حاولت دبي العثور على مصادر بديلة لتجارة اللؤلؤ وطرقت كل الأبواب الممكنة لتطوير النشاطات وتقديم الخدمات التي تضمن استمرارها، وفي عام ۱۹۳۷ وقع جدي الشيخ سعيد بن مكتوم اتفاقية حصرية للتنقيب عن النفط في أغلب مناطق الإمارة مع شركة بترول الساحل المتصالح (وهو الاسم الذي أطلقته بريطانيا على منطقة الإمارات التابعة لشركة نفط العراق لمدة ٧٥ عاماً بعد مباحثات صعبة استمرت ۲۰ شهراً لقاء ٣٠ ألف روبية سنوياً . وعلقت دبي أمالاً كبيرة على اكتشاف النفط في أراضيها خصوصاً أن الشركة كانتستدفع الحكومة دبي ۲۰۰ ألف روبية خلال شهرين من اكتشاف النفط بكميات تجارية إضافة إلى ثلاث روبيات لقاء كل برميل مصدر. لكن الشركة اخفقت في العثور على البترول وتخلت عن امتيازها فعادت دبي إلى التركيز على النشاط الذي تعرفه جيداً وهو التجارة وبالتحديد تجارة إعادة التصدير فكان التجار يستوردون البضائع من دول كثيرة ويدخلونها إلى الإمارة معفاة من الضرائب ثم يعيدون تصديرها معفاة من الضرائب أيضاً. وشملت هذه التجارة عدداً كبيراً من السلع كان الذهب أهمها، وبدأ الاتجار به یزداد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم ارتفع بحدة بعدما قررت بعض الحكومات منع استيراد الذهب الأسباب اقتصادية محلية، وعززت حكومة دبي تجارة إعادة التصدير عندما شيدت مطاراً دولياً حديثاً عام ١٩٥٩ وطورت الملاحة في الخور الذي كان ولا يزال الشريان الاقتصادي الإمارة دبي. ومع الزمن وتراكم الخبرة تحولت دبي إلى واحد من أهم مراكز إعادة تصدير الذهب في العالم، وباتت المدينة المفضلة المجموعة من المصارف والشركات العالمية المعنية بتسويق المعدن الثمين.