على القول بأن العالم العربي غير مهتم بممارسة العمل السياسي بشكله المعاصر. لتزعم أن شعوب العالم العربي لا ترغب بالديمقراطية، أو مؤهلين للتعامل معها أو احتضانها نهج حياة. إن تجديد الحياة السياسية في العديد من الدول العربية من شأنه أن يسهم في تلبية تطلعات أبناء وبنات الوطن العربي نحو حياة أفضل، بل حتمي للمجتمعات التي تنشد التطور. فإننا نعمل في الأردن على تطوير نموذجنا الديمقراطي، وقد جاءت الأوراق النقاشية الثلاث السابقة بشكل أساسي للمساهمة في إثراء حوارنا الوطني حول النموذج الديمقراطي الذي ننشد، والأدوار المطلوبة من كل الفاعلين في العملية السياسية، لقد باتت الرؤية الآن أوضح لدى قطاعات واسعة من المجتمع، بحيث نصل إلى حكومات مستندة إلى أحزاب برامجية وطنية وذلك على مدى الدورات البرلمانية القادمة، وبحيث تكون هذه الأحزاب قادرة على تحقيق حضور فاعل في مجلس النواب، وتعمل ضمن مفهوم حكومة الظل، ويشرعون في التنافس عبر صناديق الاقتراع من أجل تداول الحكومات. ومن أهم متطلبات التحول الديمقراطي تعزيز المجتمع المدني ودوره في مراقبة الأداء السياسي وتطويره نحو الأفضل، إذ أنها تتزامن مع إطلاق جهد جديد من المؤمل أن يعزز من مساهمة مجتمعنا المدني في بناء نموذجنا الديمقراطي، من خلال الشروع في وضع اللبنات الأساسية للثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا المحلية، ليكون التغيير الديمقراطي حقيقة ملموسة على جميع المستويات. ونظراً لأهمية مؤسسات المجتمع المدني في تطوير نموذجنا الديمقراطي، فقد وجهت إلى ضرورة إطلاق برنامج التمكين الديمقراطي فيخطاب ألقيته في 10 كانون الأول 2012 في الذكرى الخمسين لتأسيس الجامعة الأردنية. ويؤكد إطلاق هذا البرنامج أن تقدمنا على طريق إنجاز نموذجنا الديمقراطي سيتحدد بقدرتنا على عبور محطات محددة، وعلى امتداد طريق التنمية السياسية والتحول الديمقراطي الذي نسلكه، ويشكل مبدأ الالتزام والمشاركة جوهر "المواطنة الفاعلة"، المشاركة السياسية و المواطنة الفاعلة أودّ مشاركتكم بعض الأفكار حول أهمية الانخراط في الحياة السياسية والتحلي بـ"المواطنة الفاعلة". أي العملية التي نناقش من خلالها القضايا التي تعني مجتمعنا، مستندين للاحترام المتبادل تعبيرا عن اختلافاتنا، والتي نصل من خلالها إلى حلول عملية عبر الحوار الهادف والبناء، وإلى قبول حلول وسط تمكننا من حل خلافاتنا، وتحقيق مصلحة المجتمع ككل. إن هذه العملية لا تنحصر في القضايا الوطنية التي يتم مناقشتها تحت قبة مجلس الأمة فقط، بل تشمل القضايا التي تمس مجتمعاتنا المحلية وحياتنا اليومية كمواطنين، مثل حرص الأهالي على نوعية التعليم التي يتلقاها أبناؤهم وبناتهم في المدارس، وهموم المواطنين والمواطنات إزاء قضايا النقل العام، أما المشاركة السياسية فلا تكون ذات أثر إيجابي، إلا حين يؤمن كل فرد منا بـ "المواطنة الفاعلة"، إن الانخراط في الحياة السياسية يشكل حقاً أساسيا لكل مواطن، ثانياً، إن المشاركة السياسية في جوهرها تشكل مسؤولية وواجباً. فعلى كل مواطن أن يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية عبر اختيار شكل المستقبل الذي ننشده للأجيال القادمة. من خلال القيام، فإن الديمقراطية الحقة تكفل خيار البعض عدم الانخراط في العملية السياسية أو مقاطعتها. إننا كمواطنين نشترك في مصير واحد، والرضوخ للواقع، والقبول بالأداء المتواضع فسيعطل قدرتنا كأمة على المضي قدماً. إننا لن نستطيع أن نبني أردناً أفضل وأقوى دون الإيمان بأن المواطنة الفاعلة هي مسؤولية وواجب يترتب على كل واحد منا. وقد ذكرت في ورقتي النقاشية الأولى أربع ممارسات ديمقراطية يترتب على كل المواطنين الإيمان بها حتى تزدهر الحياة السياسية، والانخراط الفاعل، وتبني الحوار والحلول الوسط ورفض العنف، ما أوّد التأكيد عليه هنا هو أن الاختلاف في الرأي والمعارضة البناءة الملتزمة بهذه الممارسات، والتي تبني مواقفها على أساس الحقائق والوعي، تشكل أحد أهم الوسائل التي يعبر المواطن من خلالها عن ولائه للوطن. إن التحلي بالاحترام والمروءة هي من المبادئ التي نعتز بها في ثقافتنا العربية، وعلينا أن نوظف هذه المبادئ كأسس للانخراط في الحياة السياسية. ومن الضرورة بمكان أن ننوّه إلى أن عدم الاحترام لا يكون في الاختلاف في وجهات النظر، كما أن حواراتنا ونقاشاتنا يجب أن تُبنى على معلومات موضوعية من أجل الوصول إلى قرارات تخدم المصلحة العامة، لا على الإشاعات، والعدمية المطلقة التي تنكر على الوطن إنجازاته وتطوره، ولا على التنظير والتشخيص غير الموضوعي للماضي دون طرح البدائل والحلول العملية للحاضر والمستقبل. لنمضي في تمكين ديمقراطي يوفر أدوات لمواطنة فاعلة ونستذكر اليوم جميع الجهود التي بذلها العديد من الأردنيين والأردنيات شيباً وشباباً من رواد العمل الاجتماعي من أجل تنمية حياتنا السياسية والمجتمعية. إن هذه الجهود تشمل كل من أدلى بصوته في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكل من شارك في مظاهرات سلمية بناءة تراعي مصالح الوطن، وكل من قاد جهودا مجتمعية مثل نشاطات طلابية وكشفية في المجتمعات المحلية، إن هذا البرنامج سيساهم في ترسيخ المواطنة الفاعلة، ممن لديهم أفكار عملية، لتطوير نموذجنا الديمقراطي، فالبرنامج سيدعم الرياديين الاجتماعيين ليتيح لهم التأثير في الشأن العام، وبرامج التدريب، وغيرها من الأدوات المتوفرة لكل الأردنيين ليصبحوا مواطنين فاعلين ومنخرطين في الحياة العامة. وسيدعم البرنامج في البداية مشاريع تهدف إلى تعزيز مناخ المساءلة والشفافية، وإتاحة فرص جديدة أمام الأردنيين لمناقشة القضايا المهمة التي تواجه الوطن، وتسخير كل المواهب والإبداعات المرتبطة بخدمة المجتمع. وأثني هنا على جميع الجهود الدؤوبة والريادية لبناء مجتمع مدني على امتداد ربوع وطننا، وفي ذات الوقت، فلا بد من الإقرار بأننا كمجتمع بحاجة إلى آليات أفضل لترجمة الأفكار الريادية على أرض الواقع، وسيتاح للأردنيين من شتى التوجهات الفكرية إطلاق وإدامة مبادرات تروّج للانخراط السياسي والاجتماعي السلمي الفاعل. ثانياً، وسيتم فتح باب الاستفادة لكل الأردنيين المهتمين، وستخضع آلية اختيار المستفيدين من هذه البرامج لقواعد مُحكمة، يشكل برنامج التمكين الديمقراطي إضافة نوعية، لكنه ليس كفيلا لوحده بحل جميع التحديات التي سنواجهها سوية على امتداد مسيرتنا نحو التنمية السياسية والتحول الديمقراطي. تحت مظلة صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية. إنني أحث جميع الأردنيين ممن لديهم أفكار إبداعية، ويرون في أنفسهم القدرة على القيام بدور قيادي في بناء نظامنا الديمقراطي السياسي،