والدليل على ذلك أننا نجد مبحثا فلسفيا معنونا بالفلسفة السياسية، يهتم بالإنسان ككائن سياسي وبكل القضايا السياسية المرتبطة به. والسياسة بما هي فن تدبير الشأن العام للأفراد، ومن بين تلك الآليات نجد الدولة التي لا تعني شيئا غير الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما. كما أن الدولة تطرح إشكال غاياتها، حيث أن تسلط الضوء على مفهوم الدولة خاصة غاياتها، فمما تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما مبرر وجودها؟ وما غاياتها؟ هل غايتة الدولة هي الحرية أم أن غايتها هي الدولة ذاتها ام غايتها هي تبرير وحفظ هيمنة طبقة على الأخرى؟ وبما أن هناك ارتباط بين غاية الدولة ومشروعيتها فيمكن أن نتساءل أيضا: مما أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل تستمدها من العقد الإجتماعي ومن الحرية كغاية لها، أم أنها تستمدها من التفاوت الطبقي؟ تحيل القولة كما هو ظاهر على أطروحة مضمونها أن الغاية الحقيقية من قيام الدولة هي الحرية، ولتوضيح هذا القول، وتبيان ابعاده لابد من أولا من كشف دلالات مفهوم الدولة مفهوم الحرية. معنى عام ومعنى خاص، وتتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال"، أما في دلالتها الخاصة فهي " عبارة عن الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما". أما فيما يخص مفهوم الحرية، دلالة أنطولوجية حيث تعني الحرية غياب كل إكراه خارجي، ودلالة قانونية سياسية حيث الحرية تدل على الحق في فعل ما لا يمنعه القانون. وبالتالي تكون حرية مقيدة وليست حرية مطلقة. ويتضح أن غاية الدولة بما هي الأجهزة التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما هي الحرية بما هي حرية القيام بما لا يمنعه القانون. لكن كيف تكون الحرية غاية الدولة؟ في هذا السياق يمكن الوقوف عند تصور أحد أعمد الفلسفة السياسية الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، الذي هو وجود حر. وهو أن تنبع سلطة إصدار القرار من الجماعة أو من بعض الأفراد أو من فرد واحد، وفي السياق ذاته، وليس حقه في الحكم والتفكير، لا على المكر والخداع. ولذلك فليس للفرد الحرية في تغير أي شيء في الدولة بمحض إرادته. إذن فغاية الدولة هي الحرية وأن مشروعيتها مستمدة من تحقيقها لهذه الغاية، كما أن مشروعيتها مستمدة من الأفراد الذي يفوضون أمرهم للدولة لتحفظ لهم الحرية والأمن. لكن ألا يمكن أن تجعل ذلك من الدولة مجرد وسيلة في يد الأفراد؟ وألا يمكن أن تكون الدلة مجرد أداة للهيمنة والتسلط؟ والهيمنة والتسلط والترهيب، فالحرية هي الشرط ليحقق الإنسان إنسانيته، أما سلبه إياها فلا يجعله إلا كالحيوان أو كالآلة الفاقدين للحرية والتفكير. وهذا القول قول غير صائب حسب الفلسفة الهيجلية، فهيجل يذهب إلى انتقاد النظرية التعاقدية، التي خلطت بين الدولة والمجتمع المدني، فالذي يقوم بحماية حرية الأفراد وحماية الملكية حسب هيجل هو المجتمع المدني وليست الدولة هي من تقوم بذلك، إلا أن الدولة حسب هيجل هي غاية في ذاتها، وأنا غايتها في ذاتها. الا يمكن أن تكون الدولة دولة استبدادية إن هي جعلت نفسها غاية لذاتها لا مجرد وسيلة لتحقيق غايات الأفراد؟ وهي التصورات التي ترى أن الدولة ليست نتيجة لتعاقد بين الأفراد، كما أن غايتها ليست هي الحرية والامن والمساوات, هذا الموقف تبنته الفلسفة الماركسية ، فهذه الأخيرة لم تر في الدولة مجالا لتحقيق إنسانية الإنسان وأمنه ورفاهيته، وانقسام المجتمع إلى طبقات، بانقسام المجتمعات إلى طبقات، وتبرير هيمنتها. وبخصوص غاياتها فهي تختلف باختلاف أسس مشروعيتها، إذ نجد أن هناك من يؤكد على أن غايتها هي الحرية وأنها تستمد مشروعيتها من تعاقد يتم من خلالها تنازل الأفراد عن الحرية المطلقة والسلوك بدل ذلك وفق الحرية التي يخولها القانون، في حين نجد أن هناك من يؤكد على أن غاية الدولة هي الحرية ،