تُعرف الجاهلية بفترة ما قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واستمرت نحو قرن ونصف. لا تعني "جاهلية" الجهل العلمي، بل الجهل بالحلم. قسم مؤرخو الأدب الجاهلية لأولى وثانية. الأولى بعيدة جداً، مجهولة للمؤرخين، بينما الثانية (نحو مئتي سنة قبل الإسلام) وصلنا منها بعض الشعر. يُعتقد غالباً أن "العصر الجاهلي" يشمل الفترة كاملة قبل الإسلام، لكن الدراسات الأدبية اقتصرت على القرن والنصف قبل البعثة، كما ذكر الجاحظ. عرب الشمال مجهولي التاريخ إلى حد كبير بعد انهيار دولتهم على يد الرومان، مع ورود معلومات قليلة من مصادر فارسية وبيزنطية وبعض النقوش السامية. الأخبار التفصيلية تتعلق بالجاهلية الثانية، لا الأولى. سيطرت العادة على عقل العرب في الجاهلية، شبيهةً بحياة شعوب أخرى في طور البداوة. لم يربطوا بين السبب والمسبب بشكل منهجي، فمثلاً، أصبح تناول دواء معين لعلاج مرض عادةً، دون فهم المسببات. اعتقدوا بأرواح شريرة تسبب الأمراض، ولجأوا لطردها وتعليق التمائم. مع ذلك، لم تخلُ القبائل من عقلاء يفكرون بعمق. كان الخوف من المستقبل والفقر يدفع بعضهم للوأد، أو للتطير (ملاحظة حركة الطيور) لاتخاذ القرارات، واستخدام الخرز في الرقية. مظاهر الحياة العقلية الجاهلية تشمل اللغة، الشعر، القصص، والأمثال. اللغة تطورت عبر الأجيال، وليس لدينا معجم أثري شامل لكلمات العصر الجاهلي، لأن الشعر الجاهلي اندثر، وأنشئت كلمات جديدة في العصر الإسلامي، وتغيرت دلالات أخرى، واستخدمت مجازات لم تكن موجودة آنذاك، واختلفت اللهجات بين القبائل. الأمثال عبارة عن جمل قصيرة تعبر عن تجارب، وهي تعكس أحوال وعادات الأمم. الشعر كان متميزاً، وحظي بمكانة عالية، وكان لكل شاعر راوٍ ينقل شعره. القصص شاعت، وأخذت العبر من قصص الملوك والأبطال، وكانت مرتبطة بالمعتقدات والقبيلة. أما ثقافياً، فقد اشتهر العرب بعلم الأنساب (بسبب العصبية القبلية)، والمعارف الفلكية والطبيعية (بفضل تواصل مع الكلدانيين والصابئة)، والمعرفة الغيبية كالعرافة، القيافة، والفراسة، بالإضافة إلى العيافة (التطير بالطيور).