أَخيرًا تَقْتَرِبُ الرِّحْلَةُ مِنْ رُبْعِهَا الْأَخِيرِ، عَبْرَ نَافِذَةِ الْمَرْكَبَةِ الْفَضَائِيَّةِ أَتَأَمَّلُ سَوادَ أَتَذَكَّرُ كَيْفَ كَانَ بَيْتِي في حالَةِ طَوارِيَّ؛ مُتَعَجِّلُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي شَأْنٍ الْجَمِيعُ يُعِدُّ الْعُدَّةَ لِلْهِجْرَةِ إِلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ! كَيْفَ أَتْرُكُ كَافَّةَ ذِكْرَياتِي لِأَرْحَلَ عَنْ مَوْطِني؟ عُمُرِي اثْنَا عَشَرَ عَامًا، وَأَسَدِيَ الْأَلِيفُ ذو اللُّبْدَةِ الْبَنَفْسَجِيَّةِ، الْجَميلَةُ؛ لَا أَعْلَمُ عَنْهُ شَيْئًا؟! نَعَمْ، لا بَأْسَ بِأَنْ أَذْهَبَ أَنا إِذَنْ إِلى مَجْمُوعَةِ الْأَفْلامِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي زَوْدَتْني بِها أُمي وَالَّتي طالَما أَلَحَتْ عَلَيَّ أَنْ أَشاهِدَها وَأَتَعَرَّفَ إلى الْكَوْكَبِ الَّذِي نَذْهَبُ هَذِهِ مَرْكَبَةٌ صَغِيرَةً لا تَسَعُ سِوى ثَلاثَتِنا، وَيَنْحَصِرُ غَرَضُها فِي التَّأَكْدِ الْمَيْدَانِيُّ الأَخير اصطحابي، أَجْلِسُ فَوْقَ مَقْعَـدٍ لِيُشَغْلَ حَيْزُ عَرْضاً ثلاثي الْأَبْعادِ لِلْمَادَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الْمَلْفُوظَةِ. وَالَّذِي يُطْلِقُ عَلَيْهِ سُكَانُهُ اسْمَ الْأَرْضِ)، في هذا الْعَرْضِ سَتَكونُ بِتَعابيرِ أَهْلِ ذلِكَ الْكَوْكَبِ". تَظْهَرُ أمامي صورَةٌ لِكُتَل أَشْبَهَ بِالْغَمامِ الدَّاكِنِ فِي الْقَضاءِ، الشَّمْسِ. واضِحٌ أَنَّ هذا الفيلمَ نَتيجَةُ تَجْميعِ مَادَّةٍ عِلْمِيَّةٍ مُتَرَاكِمَةٍ عَبْرَ أَرى كُتَلًا ضَخْمَةً غَازِيَّةً تَنْفَصِلُ تِباعًا، أَلْمَحُ بجوار إحدى هذِهِ الْكُتَلِ اسْمَ كَوْكَبِ الْأَرْضِ، أَسْتَطيعُ تَفَهُم وحْداتِهِمُ الزَّمَنِيَّةِ، وَحَوْلَ شَمْسِهِ في دَوْراتٍ تَقْتَرِبُ لِلْعَايَةِ مِنْ نَظِيرَاتِها لَـدى أَقْصِدُ كَوْكَبَ الْأَرْضِ. ثُمَّ بَرَدَتْ تَدْرِيجِيَّا لِتَتَكَوَّنَ قِشْرَةُ الْيَابِسَةِ. وَمَعَ بُرودَةِ الْقِشْرَةِ الْيَابِسَةِ يَتَكَاثَفُ فَتَتَكَوَّنُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَالْبِحَارُ، فَيَظَلُّ عَلى شَكْلِ صَحارٍ وَجِبَالٍ وَبَراكَينَ وَدُروبٍ أَكْبَرُ مِنْ كَوْكَبِنَا بِمَرَاحِلَ، يَبْدو لي هذا مُثيرًا. أَنْتَبِهُ بِكُلِّ حَواسَيَ لِلْعَرْضِ، وَعَيْنايَ مُعَلَّقَتانِ بِمَشَاهِدِ أَحْجَارٍ نَيْزَكِيَّةٍ تَضْرِبُ الكَوْكَبَ الْجَديدَ مِنَ الْواضِح أنَّ الضَّرَبَاتِ كَانَتْ قَويةً لِدَرَجَةِ إِحْداثِ فَجَواتٍ عَمِيقَةٍ يَخْرُجُ مِنْها ما يُشْبِهُ ثَوْراتِ الْبَرَاكِينِ إِذْ أَقْرَأْ مُلاحظات جانِبيَّةً تُجاوِرُ الصُّوَرَ، فَجْأَةً. وَيَسودُ الظَّلامُ، مَعَ وَميضِ مَصابيحَ مُنْذِرَةٍ، فَأُهْرَعُ إِلى وَعِنْدَما أَطالِعُ ما يَجْري. لِأَجِدَ مَرْكَبَتَنَا تَسْبَحُ وَسْطَ آلافِ الصُّحُورِ الْجَلِيدِيَّةِ مُتَنَوِّعَةِ الْأَحْجَامِ وَالْأَشْكَالِ. لي أَعْدادُها لا نِهَائِيَّةً أَسْمَعُ صَوْتًا آلِيَّا يُدَوّي عَبْرَ مُكَبَّرَاتِ الصَّوْتِ: "تَمرُّ الْأَرْضِ، هَذَا النِّطَاقُ الْخَطِرُ يَبْدَأُ بِكَوْكَبِ بلوتو)، وَيَنْتَهِي بِكَوْكَبِ (نِبْتون)". أَشْعُرُ بِصُعوبَة فِي الْحِفاظِ عَلَى تَوازُنِي مَعَ بِعَناءٍ أَعودُ إلى مَقْعَدي، وَأَصِيحُ بِصَوْتِ عالِ: "مَسارُ الرِّحْلَةِ الْحالِيُّ"، أَلْمَحُ كَوْكَبًا قَزَمًا بِالْقِياسِ لِمَا يُجاوره، اسْمُهُ (ماكيماكي)، سَرِيعًا يَخْرُجُ أَبي بَمَهاراتِهِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ هذا النّطاق الْخَطِر. أَنَّنا تَخَطَّيْنا أخيرًا ( حِزامَ كايْبِرُ الَّذي يَعُجُ بِالنَّازِكِ وَالْكُوَيْكِباتِ أَنْظُرُ مِنَ النَّافِذَةِ فَأرِي الصَّفَاءَ الْأَسْوَدَ بَعْدَ وَهْلَةٍ يَدْفَعُني الْفُضولُ لِمُتابَعَةِ تاريخ كَوْكَبِ الْأَرْضِ، بِمُواصَلَةِ الْعَرْضِ. تَعودُ فَوْرًا الصُّوَرُ الْمُجَسَّمَةُ، أَتَعَجَّبُ قَائِلًا: "سَبْعُمِنَةِ مِلْيونِ سَنَةٍ مَرَّتْ عَلى هذا الْكَوْكَبِ حَتَّى ظَهَرَتْ تَتَسارَعُ الصُّوَرُ؛ الْبِكْتيريا، كانَتْ هَذِهِ "رودينيا". الصورَةُ لِلتَّسارُعِ واتابِعُ بِشَغَفَ؛ دَرَجاتُ الْحَرارَةِ. هَطَلَتْ أَمْطارٌ شَديدَةُ الغَزارةِ، بِالتَّزامُنِ مَعَ تَشَكُلِ طَحالِبَ بَدَأَتْ كَائِنَاتٌ صَغيرَةُ رُباعِيَّةُ الأطْرافِ بِالظُّهورِ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْأَرْضِ اسْمَ الْبَرْمَائِيَّاتِ. يَجْذِبُ انْتِباهي عِبارَةُ قَبْلَ مِنَتَيْ مِلْيونِ سَنَةٍ مِنَ الْآنَ أَنْتَبِهُ إلى بَدَأَتْ جانِحَةً تِجاهَ الْجَنوب فيا أرى فَوْقَهَا اسْمَ (أَمْرِيكا الشَّمَالِيَّةِ). تعودُ الصُّوَرُ لتَتَسارَعَ؛ تَطَوَّرَتِ الْكائِناتُ عَلى هذا الْكَوْكَبِ الْجَميلِ، وَأَشاهِدُ مَبْهورًا ما يُطْلِقونَ عَلَيْهِ فِي الْأَرْضِ اسْمَ الديناصوراتِ، أَمْتَارٍ، بَغْتَةً، تَرْتَجُ الْمَرْكَبَةُ ارْتِجاجَةً عَظيمَةً ، أَشْعُرُ بِالْهَلَعِ. أُخْرى، أَعْنَفَ مِنَ الأولى، حينَها أُدْرِكُ أَنَّ ثَمَّةَ شَيْئًا شَدِيدَ السّوءِ يَجْرِي فِي الْخارِجِ. أَتَمالَكُ نَفْسي لَمْ أَشَأْ أَنْ أَرْكُضَ إِلى أَبَوَي، آخِرُ مَا يَحْتاجانِهِ الْآنَ أَنْ أُشَتَّتَ تَرْكيزَهُما أَثْناءَ قِيادَةِ الْمَرْكَبَةِ. أَحْكِمُ رَبْطَ أَحْزِمَةِ الْأَمانِ الْإِضافِيَّةِ، بِصَوْتِ واضِحِ النَّبْراتِ: "مَسارُ الرَّحْلَةِ الْحالِيُّ " . وَالْمِرْيخَ الْمَسْأَلَةُ أنَّ هذه الْمَسافَةَ تَغُصُّ بعشرات الآلاف مِنَ الْكُوَيْكِبات مُخْتَلِفَةِ الْأَحْجامِ، مُتَداخِلَةً، خاصَّةً مَعَ سُرْعَةِ مَرْكَبَتِنا الْعالِيَةِ. هذا الْحِزامُ مِنَ الْكُوَيْكِباتِ هُوَ ما مَيَّزَهُ عُلَماؤُنا كَحَلٌّ فاصِلٍ بَيْنَ النِّظامِ الشَّمْسِيِّ الدّاخِلِيُّ، وَالْخارِجِيَّ. يُصِيبُ جانِبَ الْمَرْكَبَةِ شَيْءٌ ما، وَالْوُصولَ إِلى كَوْكَبِ الْأَرْضِ، بِالْعَوْدَةِ، فَفِي الْواقِعِ، الْمُشْكِلَةُ في كُلّ ما سَبَقَ وَإِنّما في نَيْزَكَ هائِلِ الْحَجْمِ يَتَّجِهُ ناحِيَتَنا أَحْتَفِظُ بِتَوازُني بِصُعوبَةٍ مَعَ الْمُناوَراتِ الَّتِي يُجْرِيها أَبَوَايَ وَلكِنْ يَتَّضِحُ لِي أَنَّ حَجْمَهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ تِلْكَ فَأُدْرِكْ أَنَّهُ يَقْتَرِبُ مِنَا، يُصِيبُنِي الْهَلَعُ مِنَ احْتِمَالِيَّةِ وَرُغْمَ فَزَعِي مِنْ قُرْبِ النَّهايَةِ، بِالإِشْفَاقِ عَلَى بَقِيَّةِ سُكّانِ كَوْكَبِنا، وأَمانِيَّهُمْ فِي مُغادَرَةِ كَوْكَبِنا الَّذِي أَنْهكَهُ التَّلَوُّتُ، أَفْتَقِدُ أَبي وَأُمّي، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ يَطولُ، أَرْمُقُ مَسارَ الرَّحْلَةِ، لِلْمَرْكَبَةِ، لَمْ أَفْهَمْ مُعْظَمَهَا، بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ إِلى اللَّوْنِ الْأَخْضَرِ الْمُجاوِر لِكُلِّ بَنْدِ، نَجَحَ وَالِدَايَ فِي الْمُرُوقِ بِالْمَرْكَبَةِ بِسَلَامٍ. أُفَكِّرُ في الذهاب إلَيْهما، بَدْءًا الْجَزيرَةِ الْهِنْدِيَّةِ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيُّ. أَتَّجِهُ بِعَيْنَيَّ لِما فأرى الْعَرْضَ التَّسْجِيلِيَّ يُوْضِحُ تَزَحْزُحَهَا هِيَ الْأُخْرَى غَرْبًا، بَعِيدًا عَنْ قارَّة شَعَرْتُ بِالِامْتِنَانِ لِتَقَدِّم خِلالَ الْعَرْضِ التَّسْجِيلِيُّ، أَرى شَمَالَ تِلْكَ الْقارَةِ، أَعْتَدِلُ فِي مَكانِي وَأَنا أرى الظهورَ الْأَوَّلَ لِلْفِيَلَةِ وَالْقِرَدَةِ قَبْلَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِلْيونَ عَامٍ الْكَائِناتُ الَّتِي يُطْلِقونَ عَلَيْهَا أَفْيالًا، لَدَيْنَا مَا يُشْبِهُها، فَلا نَظِيرَ لَهَا عِنْدَنَا. تَلَى ذَلِكَ سِتَّةُ عُصورٍ جَلِيدِيَّةٌ، وَالْحَجْمِ؛ فَأَلْوانُ شُعورِنا إِمَّا زَرْقَاءُ أَحْجَامُنا عَنِ الثَّلاثِينَ سَنْتِيمِتْرَا بِمَقاييسِهِمْ! وَتُقْبِلُ عَلَيَّ أُمّي تُشير إلى النّافِذَةِ باسِمَةً لِأَرَى الْكَوْكَبَ الْجَدِيدَ عَنْ أَتَأَمَّلُ الْمَشْهَدَ مَبْهُورًا، أَغْلَبُها تَنْحَصِرُ فِي الْأَلْوانِ. أَنْتَبِه إِلى نَبْرَةِ صَوْتِهِ الْقَلِقَةِ حِينَها تُهرَعُ أُمّي عَائِدَةً إِلَيْهِ، وَأُمّي تَشْرَحُ لَهُ: "أَجْهِزَةُ التَّسْجِيلِ فِي الْمَرْكَبَةِ تُسَجِّلُ مُعَدَّلَاتِ تَلَوُّتٍ في هذا الْكَوْكَبِ، تَوَقَعْناها، يَزْفِرُ والِدي: "كَانَ الْقادَةُ مُحِقِّينَ في عَدَمِ الِاعْتِمَادِ الصِّرْفِ عَلَى مُراقَبَةِ تُغَمْغِمُ وَالِدَتِي بِصَوْتٍ حَافِتٍ: "لَوْ أَنَّ الْجَميعَ أَتى إلى هُنا مُباشَرَةً، رُغْمَ كُلِّ شَيْءٍ، مِنَ الْواضِحِ أَنَّ سُكَانَ هذا الْكَوْكَبِ يَبْذُلُونَ جهودًا حَثِيثَةً لِكَبْحِ هَذا التَّلَوُّثِ، كَمَا يَتَّضِحُ مِنَ الْأَرْقامِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ أَمامِي كُلَّ ثانِيَةٍ". لَا تَكْفِي جُهودُهُم لِلتَّحَسُّنِ رَيْثَما يَأْتي بَقِيَّةٌ سُكَانِ كَوْكَبِنا يَبْدو أَبي مُحْبَطًا وَهُوَ يَتَهَيَّأْ لِمُعاوَدَةِ وإِبلاغهم بِالْمُسْتَجَدّاتِ". أقول بأسف: "هذا كَوْكَبٌ جَميلٌ يا أبي، أَخْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ مَصِيرِنَا ذَاتِهِ إِنِ إِنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ". تُعَلِّقُ أُمّي مُتَسَائِلَةً: "الْكَوْكَبُ الْفَيْروزِيُّ؟". أصيحُ بِحَمَاسَةٍ: "تَقْصِدُونَ كَوْكَبَ (كِبْلَرْ - ٢٢ بي) كَما يُسَمّيهِ أَهْلُ الْأَرْضِ؟". يَلْتَفِتُ إِلَيَّ أَبِي، وَيَقُولُ: "سَيُرْسِلُونَ إِلَيْهِ رِحْلَةً اسْتِكْشَافِيَّةً أُخْرِى بِالنِّسْبَةِ لَنَا،