تقوم أحكام العلاقات الدولية على العدل الحقيقي, بل تهدف إلى تحقيق أعدل سيرة ممكنة للحاكم المسلم في مجال العلاقات الدولية, وتتنزه عن اعتبارات الأنانية والظلم والصراع على المصالح الذاتية. وحتى في المعاملة مع الأعداء لايجوز أن تحملنا العدواة لهم وبغضهم على أن نتنكب جادة العدل, فإن شريعة الله تعالى هي شرعة الحق والعدل المطلق. وقد أرست الآيات القرآنية الكريمة هذا الأصل الكبير فقال الله تعالى :( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً) قال تعالى:( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) كما حكت الآيات القرآنية الكريمة واقعة عملية حيث تنزلت لتبرىء ساحة يهودي اتهم بالسرقة, بل لتقيم ميزان العدالة الذي لا يميل مع الهوى ولا مع العصبية, ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أياً كانت الملابسات والأحوال, وأمرت النبي صل الله عليه وسلم ألا يجادل عن الذين اتهموه بذلك لانهم يختانون انفسهم ( إنا انزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيماً* واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً* ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً) ثم جاء الواقع التاريخي شاهداً صادقاً على ذلك, والأمثلة كثيرة تعز عل الحصر, حسبنل منها الإشارة إلى واقعتين اثنتين: الولى): حكم القاضي ((جميع بن حاضر)) عل جش المسلمين في الخروج من ((سمرقند)) بعد فتحها دون إنذار, فلما استخلف عمر بن عبدالعزيز قال أهل سمرقند لسليمان بن أبي السري _ عامل عمر على البلاد_: إن قيبة بن مسلم قد غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا, فأذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكو ظلامتنا, فإن كان لنا حق أعطيناه, فإن بنا إلى ذلك حاجة. فوجهوا منهم قوماً فقدموا على عمر, فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر. فكتب عمر إلى سليمان بن أبي السري: إن أهل سمرقند قد شكوا إلى ظلماً أصابهم, وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم. فإذا أتاك كتابي فاجلس لهم القاضي, فلينظر في أمرهم, فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل ان ظهر عليهم قتيبة. قال: فاجلس لهم القاضي جميع بن حاضر الناجي, فحكم بإخراج المسلمين إلى معسكرهم, وأن ينابذوهم بعد ذلك على سواء, فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً عنوة. فقال أهل سمرقند: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم وأمنونا وأمناهم, فإن حكم لنا عدنا إلى الحرب ولا ندري لمن يكون الظفر, وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة, فنرضى بما كان ولا نجدد حرباً, فتركوا الأمر على ما كان,