واعتقد أن هذه الملكة الشخصية مستمدة من ملكة قوية أصيلة في الأمة التي يخرج منها أولئك الراحالون المنقطعون للسياحة الفينيقيين والاغريق لأنهم يقيمون على الشاطئ ويحتاجون إلى الملاحة، ومنها الرحلة في داخل النفس أو في عالم الخيال. فإنه سمى نفسه"رهين المحبسين"لملازمته داره وحبسه في جسده، وشاقني أن أسيح هنا وأسيح هناك بين مشارق الأرض ومغاربها. ولكنها كانت كلها كما تبين لي بعد ذلك عارضاً من عوارض الصبا التي تنزوي مع الزمن وراء غيرها من الميول المتمكنة في السليقة، !حتى قال ليوتى القائد الفرنسي الكبير إن الناس اليوم "يعيشون أحلام جول فيرن" كما لاحظ بحق أحد أصدقائي، لأنني أشعر بأنني لاأقرأ سطوراً على ورق، ومن هنا ألفت بعض شخوص التاريخ كأنني أعاشرهم كل يوم، وثبت له في خيالي شكل لا يتغير ولايزال يلوح لي على هيئة واحدة كلما طاف بي طيفة في منام . ومثله المعرى والفاربي وابن سينا وطائفة من مشاهير الأدب والفن بين الشرقيين والغربيين . ويتراءى لسكانها في ساعات أو أيام. اما اليوم فنحن نحسها بالعين والاذن كلما أردنا، ونقوش الفنانين وأغاني الشعراء والموسيقيين تهيىء لك أن تنفذ إلى روحها وتمتزج بعبقريتها، وتحياها على على أحسن أنماطها في الحياة. نعم إن الإحساس بالمكان-وأنت فيه- غير الإحساس به وأنت على مسافة منه. ولكن هل نستطيع أن نقول إن الإحساس بالمكان القريب يغني عن الإحساس البعيد؟أو هل نستطيع أن نقول إن الإحساس من الداخل يغني عن الإحساس من الخارج؟ أو أن الإحساس بالعين والاذن يغني عن الإحساس بالوعي والخيال؟ فالخير بعض الخير"خير"من لا شيء! ولست أزين لأحد أن يفضل طريقتي في السياحة على طريقته.