إحدى المغامرات الاستكشافية الكبرى، التي أعطاها المماليك حق احتكار هذه التجارة في أوروبا، وكانت تحقق من ورائها أرباحا فاحشة. وأما الهدف الحقيقي لماجلان، بعد السيطرة على هذه التجارة، لتمويل حملة صليبية جديدة سيتم تجريدها إلى الشام، إحياء مملكة بيت المقدس الصليبية (المقدسة)، والتي قضى عليها صلاح الدين (532-589هـ)، وذلك بعد فشل الحملات الصليبية السابقة في استعادتها، هو السبب الرئيس لمعظم الرحلات الجغرافية للبرتغالين والإسبان، والتي ترتب عليها ما ترتب من كشوف جغرافية، سواء تلك الرحلات التي سبقت هذه الرحلة أو التي تلتها، أما الهدف الكشفي أو المعرفي، ولأن البرتغال كانت قد سبقت إسبانيا في الوصول إلى الهند، وإلى جزر الملايو (ماليزيا)، وجزر الهند الشرقية (اندونيسيا)، حينذاك باسم "جزر التوابل"، فقد نشط الإسبان للوصول إلى هذه الجزر، غير الطريق الذي تسلكه الأساطيل البرتغالية، وهو طريق رأس الرجاء الصالح، في أقصى جنوب القارة الأفريقية، وذلك منذ اكتشافه سنة 1498، ومن هنا جاءت رحلة ماجلان إلى الشرق، وكانت بعد اكتشاف الإسبان للأمريكيتين بأقل من عشرين عاما، وكانت هذه الرحلة عن طريق الابحار غربا، الذي كان أكثر اطلاعا على كتب الرحالة العرب وخرائطهم وانجازاتهم في الشئون البحرية وعلم الفلك، والذي أيضا كان قد خدم التاج البرتغالي في الهند وجزر الملايو، وشمال أفريقيا كملاح وكمقاتل صليبي، لأكثر من عقد من الزمن، قبل أن يتحول لخدمة التاج الإسباني، كان قد أدرك بأنه طالما والأرض كروية، وهكذا أبحر ماجلان في 10 أغسطس 1519، من اشبيلية على رأس خمس سفن تحمل على متنها 270 بحارا، ثم دار حول أمريكا الجنوبية، ثم استمر في الابحار غربا، في رحلة طويلة شاقة جدا، وامتزجت فيها المغامرة بالخوف من أمواج المحيط وعواصفه العاتية وحيتانه الضخمة، كما امتزج فيها العلم بالوحشية، والهدف الاقتصادي بالهدف الديني والرغبة في السيطرة، وكان هو ومن تبقى من بحارته في اخر رمق، بعد أن تعفنت أغذيتهم، واضطروا لأكل الفئران والحشرات ونشارة الخشب، وبعد أن هلك منهم من هلك في عرض البحر بسبب المرض والجوع. ولم يكن قد تبقى مع ماجلان عند وصوله إلى هذه الجزيرة، فقد تكسرت أحداهما في المحيط، بسبب سوء الأحوال الجوية، وقد ظن ماجلان لحظة وصوله إلى هذه الجزيرة، ووصل إلى جزر التوابل (جزر اندونيسيا)، ولكنه لم يلبث أن عرف أنها جزر أخرى، ولذلك فقد أطلق عليها اسم جزر "سان لازار"، إلى "جزر الفلبين"، والذي كان أول رحالة أوروبي تطأ قدماه أرض هذه الجزر، في رفع العلم الإسباني على جزيرة "سيبو"، وذلك بعد أن عقد معاهدة مع حاكمها الوثني، وكان يصحب ماجلان في هذه الرحلة خادمه (أنريكي)، وكان قد جيء به أسيرا إلى إسبانيا قبل عشر سنوات من بدء الرحلة، فاشتراه ماجلان واصطحبه معه، دورا مهما في تسهيل مهمة ماجلان في التواصل مع أهالي جزيرة سيبو، وقد بدأت متاعب ماجلان تعود من جديد، على إثر وعده لحليفه هذا، بأن يجعل منه ملكا على جميع الجزر، وأن يخضع لسلطانه جميع أمراء هذه الجزر بالقوة، كاشفا عن عدوانيته وتعصبه المقيت للصليب، والمغتر بمدفعيته واسلحته النارية، والتي لم يكن يعرفها أهالي تلك الجزر البسطاء، واثقا من قدرته على تحقيق ذلك الوعد، وقد ابتدأت جهوده في هذا الصدد، بمحاولة إخضاع جزيرة "ماكتان" الصغيرة، وكان أميرها مسلما يُدعى "لابو لابو"، ولكن هذا الأخير رفض الخضوع لسلطان جزيرة سيبو، ونعى عليه خضوعه لهؤلاء الغزاة الغرباء، وبخاصة بعد إطلاق ماجلان لبحارته وراء نساء هذه الجزيرة، ليشبعوا شهواتهم الجنسية المكبوتة لأكثر من سنتين، على نهب وحرق أكواخ الأهالي البسطاء، وهبوا للذب عن نسائهم وأعراضهم. ولم يقتصر "لابو لابو"، على رفض الخضوع لسلطة حاكم جزيرة "سيبو"، وإنما أخذ يحرّض أهالي الجزر الأخرى على منع وصول الغذاء لأولئك البحارة الهمج الدخلاء، ويستنفرهم لمقاومتهم وطردهم من البلاد، وقد أعتبر الإسبان صراعهم مع هؤلاء الأهالي المسلمين، امتدادا لصراعهم مع المسلمين في الأندلس وشمال أفريقيا، ولذلك فقد أطلقوا عليهم اسم "المور"، وهي التسمية التي عرفوا بها بعد ذلك، يطلقونها على المسلمين في الأندلس والمغرب. وقد تطور الموقف بين "لابو لابو"، إلى نشوب مواجهة عسكرية، بينهما في ساحل جزيرة "ماكتان"، في صبيحة يوم 27 ابريل 1521، حيث هاجم سكان الجزيرة المسلمين البسطاء، البحارة الإسبان المعتدين، مما أدى إلى إبطال مفعول المدافع الإسبانية، وإلى اضطرار ماجلان ومن معه للنزل للقتال مترجلين. وقد انتهت تلك المعركة بمصرع ماجلان على يد البطل "لابو لابو"، ومقتل العديد من بحارته، وهروب من نجا بجلده منهم في سفينتين، تاركين وراءهم جثة قائدهم ماجلان، والتي رفض "لابو لابو" تسليمها لهم، وتاركين أيضا خادمه أنريكي، ومن تلك الجزيرة (جزيرة التوابل) عاد بقية البحارة الإسبان، إلى بلادهم، عن طريق رأس الرجاء الصالح، وفي طريق العودة تحطمت سفينة رابعة، ولم تعد لإسبانيا سوى سفينة واحدة فقط، ولم يكن على متنها سوى 18 بحارا من أصل 270 بحارا، وذلك بعد مضي 37 شهرا من انطلاق الرحلة. فتعتبر هذه الرحلة أحد الأدلة على كروية الأرض، كما هو مثبت في المقررات الدراسية اليوم، وذلك أن الرحالة الإسبان بعد هلاك قائدهم ماجلان واصلوا الرحلة إلى جزر التوابل، وصولا إلى المحيط الأطلسي، وذلك تحت قيادة الملاح (سباستيان دل كانوا) أحد مساعدي ماجلان، وبذلك أكلموا الدوران حول الأرض.