كيف يمكن لكائن بشري أن يعيش في مناخ بارد جدأ, تحت سماء تطبق على السطوح؟ مضى على وجودنا في العاصمة البريطانية ثلاثة أيام ولم أتمكن بعد من الشعور بالدفء, كان قدومنا إلى إنجلترا مرتبطاً بالخلاف الممتد بيننا وبين جيراننا حول مشكلات حدودية. وكنت أضع دوماً نصب عيني إنهاء الخلافات, وأن يعيش أبناء المنطقة بأمن وأمان ورخاء, وأن نلتفت إلى المستقبل ونسير في طريق التنمية, وقد قلت أكثر من مر: (أفضّل أن أعيش حياة متواضعة في بلدي على أن أكون صاحب ملايين وحدي). وإذا ما قدّم لي بعض التجار أو الزوّار هدايا – عادة ما تكون أكياساً من الأرز – كنت أوزعها على العائلات المحتاجة أكثر من غيرها في الواحة. كنت مدفوعاً بقوة قاهرة تمنعنى من التصرف بطريقة أخرى. لقد اعتقدت دائماً أن إعطاء بعض من النفس خير وسيلة للانتماء إلى الذات. كما لو أنه ينطبق علّي قول عروة بن الورد: أقسّم جسمي في جسوم كثيرة في تلك السنة, 1955, وسيارات أخرة سوداء, شخبوط الذي كان يعاني من ضعف في البصر اغتنم وجودنا في العاصمة البريطانية لإجراء فحوص في مستشفى في وسط لندن, مستشفى سان توماس. سمعت به للمرة الأولى من أخي هزّاع الذي كان يذهب إليه بانتظام لكي يتابع علاجاً ما. أنا وشخبوط أن استُقبلنا في باكنغام, لكن أُتيح لي أن أتأمل القصر من الخارج وأشاهد تبديل الحرس. ولم أتمالك أن أبتسم لرؤية الزيّ المضحك الذي يرتديه الخيّالة من فرقة الحرس. لم أكن أتخيل للحظة رؤية أحد رجالنا البدو معتمراً خوذة ذات عُرف غزير! أما الخيول فلا تبدو تشبه جيادنا العربية الأصيلة في رشاقتها وعدوها وجمالها. أذكر أنني سألتُ دليلنا كم غُرف القصر فردّ عليّ أن عددها 775 غرفة مزوّدة بالماء الجاري, وأكمل: "منذ عام 1801". ثمة عالم يسبقنا بقرون عديدة وتزداد معرفتي به يوماً بعد يوم طوال مدة زيارتنا كانت صور بلادي تتراكب مع الصور التي كنت أكتشفها وينتابني شعور بالانقباض لم أتمكن من تجنبه. وإني لأتساءل هل يمكن ردم هذه الفجوة ذات يوم؟ في ذلك العام, 1955, ينبغي لها, عطش لا يرتوي للتعّلم, لكنّ الانطباع كان يتولًد لديّ عندما ترفدني بنصائحها أحياناً بأنّ هذا الفارق كان معكوساً. حدث ذلك في العين في شهر ديسمبر من عام 1960. يمسكون بأيديهم فضباناً دقيقة من الخيزران, وتمجّد قيم الشرف,