تم تخصيص هذا المؤلف لمعالجة تاريخ المغرب، حيث حددت معالمه بعد مشاورات معمقة مع خبراء. وأظهرت هذه المشاورات ضرورة البدء بتقييم الوضع الحالي واستخلاص نتائج عملية. أدت هذه النتائج إلى وضع خطة تعتمد على مقاربة تهدف إلى ضبط المحاور والمقاطع، وتحديد مواطن التفاعل و نقاط التحول من مرحلة إلى أخرى، مع مراعاة عوامل الاستمرارية و لحظات الانقطاع. وبعد رسم الخطوط العريضة للتصور، تم تشكيل فرق متعددة الاختصاصات، مع التركيز على مجموعة محددة من المؤشرات والمعالم. تم التأكيد على أهمية البعد المكاني ودمجه مع البعد الزمني، مع اعتبار البعد المكاني مجالاً مفتوحًا يتكامل مع بقية الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط ​​، إن لم يكن كل البحر الأبيض المتوسط ​​كليًا. يشمل الحيز الزمني للدراسة العصور الممتدة بين بداية الوجود البشري في هذه المنطقة و نهاية القرن العشرين للميلاد، مع مراعاة حدود المصادر المتاحة. سيتم تطوير هذا المزيج بين الزمان والمكان تدريجياً بدعم من التوثيق، ليؤدي إلى تقسيم زمني غير مسبوق على الأقل للعصور التاريخية. سيسمح هذا التقسيم بإبراز محتوى المعيشة المغربية والواقع الإسلامي عمومًا، عند الإشارة إلى فترات تاريخية مثل العصور الوسطى، وعصر النهضة، والعصور الحديثة. سيؤدي هذا التعامل إلى ظهور مسار جديد للمغرب لا يتوقف إلا عند فترة التتويج النهائي أو فترة الاستقلال. سيعتمد هذا التقسيم على الكرونولوجيا العامة، مع إعطاء أهمية أكبر لبعض الأحداث المهملة أو المهمشة عادةً، في حين سيقوم بتحليل الوقائع المصنفة كأحداث حاسمة، مع التحفظ والحذر. سوف تساهم هذه الاستراتيجية المنهجية في ظهور أسئلة عميقة، وتؤدي في النهاية إلى مشروع شامل لإعادة قراءة تاريخ المغرب. لإنجاز هذا المشروع، تم اعتماد بيبليوغرافيا واسعة سيتم تلخيصها في النشر لأسباب تربوية. سيتم الاعتماد على الإحالات المختصرة في الهوامش و التركيز على أهم العناوين لكل فصل. وإلى جانب الأداة البيبليوغرافية، سيتم الانتقال من الظاهر إلى الخفي، مع مراعاة جودة الشهادات المتاحة، وانطلاقًا من الشق السياسي المرتبط بالشقين الديني و العسكري عند رسم الإطار الحدثي البارز. بعد ذلك، سيتم عرض بقية الشقوق منفردة، مع ملاحظة العوامل التفاعلية بينها. سيتم فحص المكون الاقتصادي، ثم العامل الاجتماعي، قبل التوجه إلى البعد الثقافي الشامل. من المهم أن نشدد على أن هذه الجوانب الذهنية و الاجتماعية أقل وثائقية من الجوانب المؤطرة الأولى. لذلك، علينا أن نأسف للثغرات و الفجوات في التحليلات المتعلقة باقتصاديات المغرب و الظروف المتعلقة بمعيشة الشعب. هذه القيود قد تؤثر سلبًا على مقاربة الحياة السياسية و الحقل السياسي الديني، خاصة خلال فترات أزمات الحكم و التغيرات المتكررة. يمكن للراغبين في التعمق في مثل هذه النقاط أن يرجعوا إلى البيبليوغرافيات القطاعية في نهاية الكتاب لكل فصل، مع الإشارة إلى المصادر و الدراسات العامة. يُهدف هذا العمل إلى فهم الوقائع المهمة مثل الحروب و حركات الامتداد و ظواهر الانحسار و الأزمات المزمنة و / أو الحلول المتكررة. سيُركز المشروع على فهم جوهر الظواهر المبسطة أو المبتذلة على مستوى الوعي الجماعي مثل الجدلية المخزنية و الديناميكية القبلية و المسار الديني الاجتماعي، و الشرف السياسي و الانفجار الصوفي وتفاعلهما مع بقية العوامل الاجتماعية. سيتم فحص التقلبات المسجلة داخل العائلات الحاكمة أو المتعلقة بتغيير الانتماء المذهبي، مع ملاحظة الظواهر المقاربة عن طريق التقليد و التواتر. سيتم التطرق إلى الاختلال الذي طرأ على ميزان القوى في البحر الأبيض المتوسط ، و ما تبعه من احتلال للشواطئ المغربية و تغلغل الأجنبي إلى الداخل و استسلام الدولة للنظام الاستعماري. سيتم مناقشة مشاعر الإحباط العامة و إنكار الهوية الجماعية و المعتقدات المرتبطة بظاهرة الْمَهْدوية و انتظار عودة الإمام و قرب الساعة. من الواضح أن هذا النوع من الردود ليس مرتبطًا بالعوامل السياسية فقط، بل هو انعكاس لأرضية ثقافية معينة و وحدة دقيقة يجب ملاحظتها بعناية أثناء مراجعة القراءة. يمكن أن نُضيف إلى هذه الاعتبارات أن التوجه المختار ناشئ من تراكمات الحضارية التي تصب في العولمة ، وهي ظاهرة تؤدي إلى تسريع الوتيرة التاريخية و تعمل على تحديد عناصر البقاء و الاستمرارية للذاكرة الجماعية على مدى متوسط. لذلك، يُركز هذا المشروع على حاضر الأمة المعنية بقدر اهتمامه بماضيها، مع التأكيد على هشاشة الاستمرارية التي تهدد الرصيد الثقافي الذي يُعطي الأمة الحق في الوجود. يمكن اعتبار هذا العمل محاولة متعددة المداخل للإنقاذ، مع مراعاة عدم تحميله بصمات الماضي أكثر من اللازم. و مهما كانت نتائج هذه العملية ، فإن محاولة القيام بها مُبررة. و إذا نجحنا في إنجازها ، فإن الفضل يرجع إلى كل من شارك في العمل علميًا و الزملاء الذين شاركوا في التنسيق بين المشاركين في فرق العمل. أود أن أُعبر عن شكري الخالص على المثابرة و العمل الدؤوب. أود أن أُعبر عن امتناني للجنة القراءة لمواكبتها المستمرة و الملاحظات القيّمة و الاقتراحات المتعلقة بالشكل و المضمون. و الشكر موصول للزملاء الخرائطيين على صبرهم و مساهمتهم في إثراء العمل على مستوى التوضيح و التجسيد المادي. و يُقدم الشكر خاصة للجنة التحرير لجهودهم المستمرة التي أسهمت في تسهيل السبل على مستوى المراجعة المادية و التشذيب و التوضيب و إعادة تحرير و ترجمة النصوص. أود أن أُعبر عن شكري لأستاذ عبد الحي الديوري على إشرافه على العمليات المتعلقة بالإنجاز الإيكونوغرافي مع ملاحظة الجمالية و التكامل مع الإخراج المطبعي. أُعبر عن شكري لجميع من أسهم في إنجاز المشروع من الإداريين العاملين في المعهد و السيد محمد فرحان لجهوده في تدريب الطاقم لأداء مهامه بأكبر دقة و فعالية.