لنتخيل أننا قبيلة تعيش على الصيد وجني الثمار كما كان يفعل أجدادنا منذ مئة ألف عام أو كما يفعل ذلك بعض الناس الذين ما زالوا يعيشون في مناطق نائية. إنكم ترون جيداً أن الناس يتدبرون أمورهم بشق النفس. ولكن عدداً صغيراً من بيننا يتمتع بطاقة لا تتزعزع. أنت أيضاً تشعر بالضيق إذ أنك ما عدت تنتمي إلى هذه الأرض الرمادية المنهوكة. كان المخرج الألماني الكبير ماكس رينهارت يعتقد أن من الممكن خلق جو على المسرح حتى قبل جلوس المشاهدين في أماكنهم ورفع الستار. يمكن لعنوانٍ مختار بعناية أن يوّلد صورة مجازية في الذهن (استعارة) تحرض تفكير الجمهور وتوّلفه من أجل تقبل ما سيحصل؛ اختاروا موسيقا وأنوار مناسبة للحظة دخول الجمهور إلى الصالة. هكذا يكون المشاهدون في حالة نفسية مثالية من أجل التماهي بشكل أفضل مع العرض، أم دمية في يد قوة عليا؟ هل نحن جميعاً دمى القوى العليا أم أن لدينا حرية الخيار. إنها أداة قوية من أجل التعبير عن جو الكتابة والإيحاء بمعناها. يكرر المخرج المشهد نفسه في نهاية الفيلم من أجل الإيحاء بأن كل شيء قد تم. تبدأ بعض النصوص بتمهيد حتى قبل عرض الشخصيات الرئيسة ويبدأ ديزني فيلم "الحسناء والوحش" بتمهيد على شكل لوحات زجاجية تحكي ماضي الوحش. يقدم شكسبير والمؤلفون الإغريق لمسرحياتهم بتمهيد يلقيه راوٍ أو جوقة من أجل إعطاء الجو العام والتعريف بسياق القصة. يمكن أن يعرّفنا بجزء هام من ماضي القصة أو يحدد للجمهور نوع القصة أو الفيلم الذي سيشاهده، أو أن يجعل القصة تبدأ على شكل صدمة تجعل المشاهدين يجلسون في أماكنهم. هذا المشهد الذي يسبق الظهور الأول للبطل يستثير استغراب الجمهور ويأسر انتباهه. في الجمعيات السرية هناك قاعدة تأهيلية قديمة تقول بأن الإنسان المشوش يغدو أكثر قابلية للتأثر. مثل هذه التمهيدات تشير للجمهور بأن توازن المجتمع قد تزعزع. وعالم أوز الفائق بألوان تكنيكولور. استُخدِم هذا الأسلوب أيضاً في فيلم التشويق "الموت ثانية" حيث هذه المرة العالم الاعتيادي بالألوان بينما اللقطات الخلفية (فلاش باك) للعالم الفائق الكابوسي لعالم الأربعينيات بالأسود والأبيض. في اللحظة التي يدخل فيها؟ كيف يجلس؟ هل هو وحده أم ضمن مجموعة؟ بأي نوع من الناس هو محاط وكيف يتصرفون معه؟ ما هو موقفه وحالته الانفعالية؟ وهدفه في تلك اللحظة بالذات؟ هل سيدخل إلى مسرح الأحداث في لحظة من القصة أم سيكون موجوداً منذ الصور الأولى؟ هل سيروي القصة بنفسه؟ هل سترويها لنا شخصية أخرى؟ أم سنشاهدها عبر النظرة الموضوعية لراوٍ تقليدي؟ إنها لحظة أساسية تنتظم فيها العلاقة مع الجمهور. تتكشف لنا شخصية توم عبر كل عمل من أعماله. يسعون لإدخال الجمهور في اللعبة أو إحداث حالة تماهٍ شبيهة بالوجد. يمكنكم خلق جو من التكهنات الاستباقية بجعل شخصيات أخرى تتكلم عن البطل قبل دخوله إلى المشهد. فإن الانطباع الأول هو الأساسي إذ أن الجمهور سوف يتذكر دائماً أول عمل للبطل. يوثِّق التقديم العلاقات بين الناس ويجعل بعض الاهتمامات المشتركة تطفو على السطح. وينبغي على القصة أن تدعونا بشكل حقيقي إلى لبس لبوسه، وإلى رؤية العالم بعينيه. يمكننا جميعاً أن نُسقط أنفسنا على دوافع مثل الحاجة إلى الاعتراف والتعاطف والقبول والفهم. إن التماهي مع حاجات مألوفة تُنشئ صلة بين المشاهدين والبطل. مطلقاً بهذا الشكل مغامرة كلاسيكية تهدف إلى البحث والانقاذ. هامارتيا خطأ يرتكبه البطل يؤدي إلى قلب السعادة إلى تعاسة والعكس صحيح. وواقعياً. في فيلم رعاة البقر الكلاسيكي النهر الأحمر يجسد جون واين شخصية توم دنسون وهو بطل جريح شبه مأساوي. فما ستكون هذه الجملة؟ أية فكرة أو اية صفة هي في صميم القصة؟ الحب؟ الثقة؟ الخيانة؟ الغرور؟ الأفكار المسبقة؟ البخل ؟ الجنون؟ الطموح؟ الصداقة؟ ما الذي تنوون التعبير عنه؟ هل موضوعكم هو "الحب ينتصر على كل شيء"؟ أو "لا يمكن خداع إنسان مستقيم"؟ أو "ينبغي علينا أن نتحد لننتصر"؟ أو "المال أصل كل الشرور"؟ إنني أرتكز غالباً إلى كتاب "ساحر أوز" من حيث أنه حول الى فيلم كلاسيكي شاهده الكثير من الناس. تمر دوروتي بمغامرة تافهة هي نموذج مصّغر عن المغامرة التي ستعيشها في العالم الفائق: تحاول التأرجح مزارعين لطفاء يمثّلون بشكل مسبق الأدوار التي سيمثلها نفس الممثلين في العالم الفائق. يمكن أن لا يعاني الأبطال من أمور ناقصة أو معايب أو جروح بادية للعيان. وربما لا تعدو حالتهم الشعور بالاضطراب والانزعاج وأنهم غير متلائمين مع بيئتهم أو ثقافتهم. النداء عاش ملك كان له بنات عدة، وقد حدث ذات مرة أن الكرة الذهبية لابنة الملك لم تسقط في اليد الصغيرة التي بقيت معلقة في الهواء، أنا أبكي كرتي الذهبية التي سقطت مني في هذه البئر». وأشرب من كأسك الصغير وأنام في سريرك الصغير: إذا كنت تعدينني بذلك فسأهبط البئر وأحضر لك كرتك الذهبية». «أنا أعدك بهذا كله، ولا يمكن له أن يكون صديقاً لكائن إنساني». بعد أن اطمأن إلى موافقة الفتاة على شروطه غيَّب الضفدع رأسه في الماء، مثلما تموّج التيارات الخفية سطح مساحة مائية ما، كذلك يمكن لدوافع الإخفاقات أن تغور بعيداً في الأعماق، عن طريق هذه الأشياء كلها يمكن التعرف من جديد على رموز سرة العالم. وبالمقابل فإن أي انفصال، عندما يستعد لتركيزه الأعلى لكي ينسف الآفاق الأخيرة للعالم المخلوق: دائماً تأتي صور النماذج البدئية ذاتها إلى الساحة، الضفدع الكريه والمرفوض أو تنين الحكاية، كل منهما يدفع بالشمس إلى الأعلى عن طريق فمه. ولما طارد الملكُ الغزالَ طويلاً دون جدوى، وكان أن جلس إلى القرب من نبع ماء حيث غرق في أفكاره. خيِّل إليه أنه يسمع نباح الكلاب. والصوف كان في بطن الحيوان مثل نباح عصبة من الكلاب يبلغ تعدادها الثلاثين. فقد اكتشفت هذه الفتاة قنفذاً إلى القرب من شجرة حور، لأنني أريد أن أستحوذ على أشواكه، ولكن عندما وصلت الفتاة إلى مبتغاها، ومدت يدها لتقبض على القنفذ، وكانت الشمس قد غربت لتوها بألوان حمراء مثل الدم. وفيها يتم التعرف على ما يجب أن يُدرك في العين، وعلى الرغم من أن المسألة يمكن أن تكون مجهولة بالنسبة إلى الشخصية المُوَعاة، وبالتالي يصبح ناضجاً للتجربة المختلفة تماماً. وحالما أصبح جاهزاً ظهرت له الرسالات من تلقاء ذاتها. «أراد ذات يوم مَنْ سوف يصبح بوذا أن يقصد الحديقة، وأصدر الأمر إلى سائق عربته أن يكون على أتم استعداد للرحلة. وبعد أن زينها بأجمل الحلي، بعد ذلك أخبر مَنْ سوف يصبح بوذا، بأن كل شيء قد أعد على أحسن حال. وعندما سمع الجواب قال: «ملعونة هي الولادة لأن الشيخوخة لابد أن تحل بكل مولود». سأل الملك: «لماذا عاد ولدي هكذا سريعاً؟». عندما ذهب ذات يوم إلى الحديقة رجلاً عاجزاً، طرح الملك السؤال ذاته وأعطى الأوامر ذاتها، ومرة أخرى شاهد من سوف يصبح بوذا، طرح الملك السؤال ذاته وأعطى الأوامر ذاتها، ومرة أخرى شاهد من سوف يصبح بوذا، عندما ذهب إلى الحديقة ذات يوم، ومن هنا فقد لاقت فكرة الانسحاب من العالم هوىً في نفس من سوف يصبح بوذا» (9) . كما سميناها تمَّ تعيين البطل ونقل مركز ثقله الروحي من دائرة مجتمعه إلى أقليم مجهول. هذا الإقليم المصيري الذي هو جذاب بقدر ما هو خطر، في مثل هذه المنطقة تسكن على الدوام كائنات ساحرة متعددة الأشكال، ولكن غير مستقر. يمكن أن يتخذ هذا النداء شكل رسالة أو رسول. في "لقاءات قريبة من النوع الثالث" يتلقّى روي نيري النداء على شكل صور هوسية لبرج الشيطان مستقاة من خافيته. يشير مفهوم قوَة التزامن إلى تزامن حالة نفسية مع حدث أو عدة أحداث موازية. كل الحوادث النفسية تتصل مع بعضها بعضاً اتصالاً سببياً وثيقا. وإن وصف أي مفهوم بشكل منفصل سوف يؤدي إلى إعطاء نظرة جزئية عنه إذ أنه لا يأخذ بعين الاعتبار لا العلاقات الديناميكية ولا مجمل المنظومة النفسية. حينها ينبغي على الأبطال البرهان عن كل مهاراتهم لتفسير صحيح للعروض الملتبسة التي تقدمها شخصيات غير محددة المعالم. لا يدرك الأبطال أن الأمور تسير بشكل خاطئ في عالمهم الاعتيادي ولا يشعرون بأية حاجة للتغيير. يميز فلاديمير بروب مرحلة أولى مشتركة في كل القصص وهي مرحلة التعرف. أحياناً يتخفى الرسل من أجل التجسس على البطل ما يكفي من الزمن لاكتساب ثقته ثم يغيرون شكلهم لتبليغ النداء. يلبس قناع الرسول ويقدم لها نداء المغامرة الذي يشكل تحدياً حقيقياً. خلال هذا المقطع استخدم هتشكوك كل العناصر الرمزية التي كانت لديه للإيحاء بأن تغييراً عظيماً على وشك الحدوث. يمكن أيضاً أن يسمع البطل نداء المغامرة بسبب فقدانٍ أو شعورٍ بالنقص حصل في حياته الاعتيادية. انعدام الخيار في جوهرها يكمن العجز عن تجاوز أنا الطفولة وارتباطاتها العاطفية ومثلها. وأصبح كل عام أعلى فأعلى، وبريار روز حُرِّرت من قِبَلِ أمير. وأيضاً ذلك الشاب الذي رأى نفسه متحولاً إلى شجرة، ومن هنا فإن الضرورة التي تنتج من الرفض العنيد للنداء، والنماذج البدئية من لاوعيها. على هذا المبدأ يقوم الانضباط الذي يخضع له ممارسو اليوغا الهنود. ولن يكون من الصحيح بشكل كامل، إذا شاب شعر المرء أو قلّ ماله فليس له في ودّهن نصيب فلما سمع السلطان من ولده هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً واغتم غماً شديداً. ولكن من محبته لم يكرر عليه الكلام في ذلك ولم يغضبه بل أقبل عليه وأكرمه ولاطفه بكل ما يجلب المحبة إلى القلب. بعد عام كرر الملكُ الطلبَ غير أن الفتى أصر على موقفه الرافض وقوّاه بتلاوة أبيات من الشعر. والملك استشار وزيره الذي قال: «اصبر عليه سنة أخرى فإذا أردت أن تكلمه بعدها في أمر الزواج فلا تكلمه سراً، ولكن حدثه في يوم حكومة ويكون جميع الأمراء والوزراء حاضرين وجميع العساكر فإذا اجتمع هؤلاء فأرسل إلى ولدك قمر الزمان في تلك الساعة وأحضره فإذا حضر فخاطِبْه في أمر الزواج بحضرة جميع الأمراء والوزراء والنواب وأرباب الدولة والعساكر وأصحاب الصولة فإنه يستحي منهم ولايقدر أن يخالفك بحضرتهم». إن الملك لحقته شهامة فصرخ على ولده فأرعبه وصرخ على المماليك وأمرهم بإمساكه فأمسكوه وأمرهم أن يكتفوه فكتفوه وقدموه بين يدي الملك وهو مطرق في رأسه من الخوف والوجل وتكلل وجهه وجبينه بالعرق واشتد من الحياء والخجل، أما تعلم أن هذا الأمر لو صدر من عامي من العوام لكان ذلك قبيحاً منه».