لعل القرنين السادس والسابع الهجريين حملا الكثير من ملامح القرون السابقة التى شهدت انفصالا حقيقيا بين الأوضاع السياسية وبين ازدهار المدنية الإسلامية. ففى الوقت الذى نرى فيه الصراع السياسى وتفكك الدولة العظمى إلى إمارات ومناطق نفوذ، وعلماء وأدباء فى شتى نواحى المعرفة. فقد اختصا بمعاصرة الرياح العاتية التى ضربت شجرة الحضارة، وذلك من البدايات الأولى للإهتزاز حتى الهجمة العنيفة التى أطاحت بكثير من أجزاء كيان تلك الشجرة. وعليه فمن كان ابن ذاك العصر سيحرص بالتأكيد على المشاركة قدر طاقته فى المحافظة على ما لدى بيئته وزمانه، ورد الأمور إلى أصولها، أما من ناحية المدنية الإسلامية فقد تابعت وقتئذ مسيرتها وازدهرت ثقافتها رغم كل الظروف الصعبة من حروب داخلية مدمرة ومن تعدد المذاهب الكلامية والفلسفية وكثرة الفرق والمذاهب. وقد قام السلاجقة بدور هام فى إيجاد مكان ثابت للإزدهار بعد أن قضوا نوعا ما على الإهتزاز السياسى الذى كاد أن يدمر الحضارة وأعادوا للخلافة العباسية بعض مظهرها، مع احتفاظهم بالسيطرة الفعلية لأنفسهم، والمضمون الثقافى لهذا الإستقرار النسبى كان فى جهد السلاجقة بإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية والمعاهد الدينية، والذى يمكن اعتباره العمل الأول من نوعه فى التاريخ الإسلامى. وقد كانت المدرسة النظامية فى نيسابور وبغداد أنموذجا لتخريج العلماء وللنشر الثقافى والفكر المتطور. والذين تفوقوا على السلاجقة فى رعاية العلم والثقافة بإنشاء المدارس المتعددة التخصصات والتى فتحت أبوابها لكل راغب فى التعلم. كما وان كثرة عدد المدارس كان صورة واضحة المعالم عن عمق الثقافة وأثرها فى المجتمع المسلم. .. فالوضع الداخلى كان قد وقع فى تمزق عنيف نتيجة صراع السلاجقة المتأخرين وبالذات أبناء السلطان السلجوقى ملكشا كاد يدمر ما رممه أوائلهم. وهذه الحروب ـ كما يرى ابن الأثيرـ سلسلة من الردود الغربية على التوسع الإسلامى والتى بدأت بالهجمة على الأندلس وغزو طليطلة عام ٤٧٨ هـ/ ١٠٨٥ م [١]. وقد تتابعت الحملات الصليبية على المشرق المسلم بشكل متواصل حتى بدايات القرن السابع الهجرى.