هل للتفكير الفلسفي دور في بناء الحضارة المعاصرة؟ ام إنّالحضارة المعاصرة – لكي تكتمل صيغة السؤال – كانت ستأتيعلى هذا المنوال الذي هي عليه الآن بالتمام والكمال،مستويات العقل والمؤسسات والسلوك وتنظيم الحياة،حاجة إلى تلك المفاهيم الكبرى التي صاغها ديكارت واسبينوزاوروسو وكانط وهيغل وماركس ونيتشه،هل كنا سنفكّر كما نفكّر الآن، ونفس بنية العقل الأخلاقي، وبنية العقل الجمالي نفسها، حتى الذين يعتبرون الفلسفة مجرّد كلام فارغ لنيستطيعوا الإجابة بنعم من دون تلعثم.المفاهيم الأساسية التي بها نفكر الآن؟ فنحن لا نفكر بواسطة لكننا نفكر بالأحرى بواسطة المفاهيم.لكن، طالما هناك من يصرّ - لدواع دينية أو سلطوية أو لمجرّدالسؤال إلى آخر المدى:لو لم يوجدوا أصلا، فكيف سيكون حال العقل الإنساني اليوم؟لو غابت عن تاريخ العقل الإنساني تلك النصوص المؤسسة والمتعلّقة على سبيل وقواعد ديكارت،ورأس مال ماركس، لولا تلك النصوصالكبرى فكيف سيكون تفكيرنا الآن؟ كيف ستكون علاقتنا بالدينوالحلم والأسطورة والخيال والحب والجمال؟ كيف ستكون إيديولوجياتنا،نقولها – فلسفاتنا؟لسنا ننكر وجود شعوب لديها حضارات متقدّمة في بعضما يماثل الفلسفة. ودعنا من الذين يقولون إننا نحتاج إلى إعادة وليست الفن وليست الأسطورة، وبالتالي فإنها لا توجد إلّا حيثما تتوافر لها شروط دقيقة. فعلًا، لسنا ننكر أنّ التفلسف طبيعي في الإنسان، وأن أسئلة الأطفال تتشابه في كل الثقافات، لكن الاستمرار فيها يستدعي فرضًا لا تتيحها كل البيئات وقد لا تتوفر للجميع. كل الناس يتفلسفون لكن الاستمرار في التفلسف جهد استثنائي نادر يحتاج إلى بيئة حاضنة لا تلزم العقل بتقديس المسلمات. هناك شيء نعرفه ونعترف به، إلخ، يمكن لهذه المجتمعات أن تتعلّم الصناعة والإدارة والتسيير والديمقراطية من المجتمعات الغربية، لكن السؤال: هل بوسعها أن تبدع أنساقا علمية جديدة في الفيزياء الفلكية أو الميكروفيزياء تتخطى حدود آينشتاين وماكس بلانك وغيرهما؟ هل تستطيع المساهة في اقتراح نظام أخلاقي متكامل وفقًال ضمن أخلاقيات البيولوجيا بنحو يتخطى حدود كانط وهابرماس وغيرهما؟ هل تستطيع اقتراح منظومة جديدة التطوير الممارسة الديمقراطية بنحو يتخطى حدود روسو وكارل بوبر وغيرهما؟ ألا يحتاج الإبداع النظري التصوّري إلى ما كان يسميه أرسطو علم الكليات؟ ثمة فرضية وضعها هيغل ولم نتمكن من دحضها إلى اليوم: تاريخ الفلسفة هو التاريخ نفسه. هذا واضح إذا ما اعتبرنا تاريخ الفلسفة هو تاريخ العقل.تاريخ إنه تاريخوالزمان والكينونة والمعنى. هو العقل الإنساني نفسه.الفلسفة هي السلم الذي ارتقته الحضارة المعاصرة صعودامواجهة الأوهام، العيش في مواجهة الشقاء،وتحسين قدرته على التعاي في مواجهة عنف الإنسان ضد أخيه وإن شئت القول قد لا يُدرَكمعظمه، غير أنه الأفق الذى لا بديل عنه سوى الهمجية والانحطاط.لكي نفكر في مسألة فصل السلطات على سبيل المثال، لكنْ،هل كان مثل هذا التفكير ممكنًا قبل أن يؤسس مونتسكيو لمفهومفي مسائل العقد الاجتماعي وتفاصيلها، لكن هل كان مثل هذاالتفكير ممكنا قبل آن يؤسّس روسو لمفهوم العقد الاجتماعي؟إلى قراءة رسالة التسامح لفولتير أو لوك،