۱۳ روحيا بعيد المدى يخصب به مجالات و الرؤيا الحديثة للشعر . بل إن كلمة الرؤيا - إذا شئنا الدقة في التعبير والتأريخ - لا تنطبق أبعادها إلا على هذا الشعر الحديث . غير أن معناها هنا يختلف عما ألفناه من قولنا و المدينة الفاضلة ) فالرؤيا تقيم عالماً جديداً بحق ، لهذا يصبح شاعر كإليوت من رواد التجديد ومن دعاة التقاليد الأدبية أو موروث الشعر ، ولهذا أيضاً لا يصبح العالم الجديد للشاعر طريقاً من الورود ، بل تفوح منه رائحة المأساة في اختياره للبراءة التي ينشدها ، على مستوى الفطرة الإنسانية في المجتمع البدائي ، والفطرة الإنسانية فى الفرد على المستوى العضوى . ولهذا ثالثاً تصبح الأسطورة هي البناء التعبيرى الأمثل لدى الشاعر الحديث ، لأنها تتضمن في كيانها العضوى ذلك المناخ القديم بما يجسده من نسيج قريب من مادة الحلم . رؤيا الشاعر الحديث ، هي تلك الطبيعة التي أشرت إلى أنها مصدر ما يراه البعض من غموض ، ذلك أنها لا تشتمل على بناء منطقی مسلسل ، مقدماته تؤدى بالضرورة إلى نتائج محددة ، كالرباط الحتمى بين العلة والمعلول ، فهكذا كان بعض الشعر الأوربى في القرن التاسع عشر يكاد يكون مجموعة رياضية من المعادلات العاطفية أو الاجتماعية ، تبعاً للمذهب الفني الذي يخضع له الشاعر . إن هذه النقطة يتوقف عندها الدكتور ليفيز طويلا في مقدمة كتابه واتجاهات جديدة في الشعر الإنجليزي ) . وقبل أن أعرض لرأى ليفيز بشيء من التفصيل أود أن أسجل هذا و التقابل ) بين شعر القرن التاسع عشر والشعر الحديث في القرن العشرين . فبينما تتعدد المذاهب في القرن الماضي ، تتفق جميعاً اتفاقاً غير مكتوب على ذلك و الخط العام ) للشعر الذي يمكن أن ندعوه بالنظام المنطقى . وعلى النقيض من هذه الظاهرة ، نلاحظ أن الشعر الحديث في هذا القرن لا سبيل إلى تصنيفه في خانات واضحة محددة تحديداً حاسماً ، أى أنه لم يتمذهب فى اتجاهات متباينة ، أو على الأقل متمايزة ، على الرغم من أنه لا يخضع لمنطق بالغ الصرامة ، بل لا يخضع لمنطق ما بالمعنى التقليدى المألوف . ، إذا استطعنا أن ندعوها منطقاً . وهى قريبة من مادة الحلم ،