قصة: انتظار الشاي بمفردها في الشرفة. الدار مقامة على أطراف مدينة «عمان» العريقة خلف قضبان يترنح كأنه يبكى وينتحب وهو يودع الشمس إلى مثواها الأخير. رأت سيارة زوجها «مروان» تقترب يبدو أن هناك ضيفا برفقته. سمعت زوجها وهو يرحب بضيفه. بعد قليل رأته بجوارها في المطبخ و الذهول ثم سألت بصوت متهدج: - ماذا تقصد؟ انتفضت كل عروقها وهى تقول في عناد حاول «مروان» أن يبدو متماسكا وهو يربت على كتف زوجته ويقول: ألقت «فاطمة» الأطباق التي كانت على المنضدة وهي تصرخ في - سنسافر الآن. - سنسافر الآن. في الطريق كان الظلام موحشًا والضباب مرعبًا. برأسها على نافذة السيارة ارتجفت رجفات خفيفة سريعة مع الطريق ثم لقد عبرت هذا الطريق من قبل لكن فى الاتجاه المعاكس. منذ ست سنوات تقريبا حدث ذلك في عام ١٩٦٧ ، الإسرائيلي مدينة «القدس». في هذه الأيام راح « مروان يلملم كل ما خف كانت الكتيبة في طريقها إلى منطقة «السلط». وافق القائد على انضمامهم للكتيبة لحمايتهم من مخاطر الصحراء والهجوم الإسرائيلى الكثيف عاون الأب الطفلين على الصعود إلى أحد العربات بينما حمل أحد الضباط الطفلة الرضيعة «مريم» حتى تتمكن «فاطمة» من الصعود إلى العربة المرتفعة في أثناء ذلك عاودت كل منهم يختبئ في مكان مختلف. ذهبت المروحيات خرجوا من مخابئهم لم يكن هناك سوى «مروان» و الطفلان و «فاطمة». راحوا يفتشون عن «مريم» بين العربات العسكرية رائحة النابالم تزكم اختفت «مريم» والضابط الذي كان يحملها. فراح صوتها يجلجل في الصحراء دون مجيب. ذهبوا إلى مدينة «السلط». اتصل بهم جميعًا دون جدوى. - لو كنتم تقصدون الكتيبة ٧٦» مدرعات، للأسف لم يعد منها أحد. عندما سمعت «فاطمة» ذلك سقطت مغشيا عليها طالت فترة الغيبوبة إلى أن استدعوا الطبيب الذي أمر بحجزها فى غرفة مظلمة بمفردها. حذر زوجها من أى صوت أو ضوء. لا بد من الالتزام بالهدوء لولا الولدان الاستسلمت «فاطمة» للمرض حتى الموت لم تقاوم وتجاهد إلا من أجلهما. استعادت عافيتها في خلال بضعة أسابيع ورحلوا عندما استأجر «مروان» هذه الدار على أطراف المدينة، «فاطمة» حجرة خاصة لـ «مريم» وهى تقول لزوجها لا بد ستعود في يوم يجب أن يكون لها حجرة منفصلة عن حجرة الغلامين. فراح و بدأ يعاود نشاطه التجاري مرة أخرى. التقى مصادفة هذا التاجر، قص عليه قصة «مريم» لمجرد فإذا بالتاجر يخبره بأن هناك طفلة فى السادسة من العمر بحضانتها و رعايتها. من يدري؟!. ربما تكون الكتيبة التي التقوها تختلف عن الكتيبة وصلوا إلى البلدة بعد منتصف الليل راحوا يجوسون في الظلام تتعثر في الظلام، أسمعها أثناء الليل وهي قلب الأم لا يكذب أبدا. اقتحموا الدار في غبش الظلام اعتصرت «فاطمة» الطفلة الهزيلة التي أشارت إليها ربة المنزل. إختلطت دموع الابنة بدموع الأم. - هل جننت ؟. - ماذا تقصد؟ أجاب مروان» والعرق يتفصد منه بغزارة: إنها مثل ابنتي ولیست ابنتي ألقى مروان» بكل ثقله على المقعد في استسلام ثم قال: في الطريق كنا نقضى الليل في الكهوف في أحد هذه الكهوف التهم الفأر إصبع قدم «مريم» اليسرى. أذنيها طلقات نارية تخترق رأسها. منذ هذا اليوم، وافق الزوج على مضض. «مريم» التحقت بالمدرسة. - رأيتها بالأمس تجلس في حجرتها تخط بيدها الصغيرة كلمات بسيطة في خط متعرج. تهز رأسها من حين لآخر سعيدة بضفيرتها الطويلة. تحك المستقبل. خرج «مروان» من الدار غاضبًا. علمت من الجيران أنه تزوج بأخرى. يقضى معها أوقاتًا سعيدة وحياة هانئة وادعة بعيدًا عن الأوهام والأحزان. أصبحت تخدم طفليها طوال النهار بجد وإخلاص كأنها جارية تنفذ أوامر أسيادها دون نقاش تخرج إلى السوق لشراء لوازم البيت دون أن تبدل تتشاجر أحيانًا مع البائعين لأتفه الأسباب. تمر الأيام و هي تفقد أنوثتها و كل إحساس بالحياة. في ذات يوم استيقظت من نومها فى قمة السعادة. راحت تغني وترقص وهي ترتدى ملابس جديدة مشطت شعرها بدقة وضعت بعض مساحيق - «مريم» التحقت اليوم بكلية الهندسة. مصمصت الجارات شفاههن فى شفقة فراحت تؤكد لهن - «مريم» نفسها هي التي أخبرتني بذلك. هذا الاريتاح ناتجا عن ثقة المؤمن بربه. لا أحد يعرف. برصانة. عندما ينقضى النهار تخلد إلى النوم في هدوء وهي تؤكد لنفسها أن المروحيات الإسرائيلية لم ولن تقضى على حياة «مريم» لكن دائما لكن. الابن الأكبر إلى دمشق» لتنمية تجارة والده بعد عدة أشهر رحل الابن الأصغر إلى «القاهرة» بحثًا عن أسواق جديدة. الدار الكبيرة. راحت تتجول بين حجرات الدار بمفردها دقات حذائها تتردد عالية فيرتجف القلب برهبة في أثناء الليل يسمعها الجيران وهى تصرخ وتنتحب تنادي أولادها الثلاثة دون مجيب. شعرت بشبح الموت يحوم حولها فقررت الرحيل إلى دمشق» لقضاء لا يوجد ما هو أبشع من أن يموت الانسان وحيدًا دون أن يشعر به أحد. لملمت بعض حاجياتها القليلة وانطلقت إلى الحافلة الذاهبة إلى دمشق». كان الناس يهرولون إلى المسجد لأداء صلاة العشاء فانطلقت معهم. بعد الصلاة مددت جسدها المثقل بحثًا عن بعض الراحة هبت جالسة لترى أمامها شيخًا عجوزا يرتدي جلبابًا أبيض له لحية بيضاء كثيفة، الإيمان. - يجب أن نغلق المسجد الآن. ماذا تفعل؟. ليس معها نقود أو أي أوراق تثبت شخصيتها. أموال الزكاة الموجودة في المسجد. بکت و هي تقول: ليس لدى أي رغبة في الطعام. - أريد رؤية أولادي أريد الاطمئنان على «مريم» ورضيعها قبل أن عنيفة. ثم أكملت ـ أشعر بها قريبة مني أعلم أنها أصبحت مهندسـة وأنها تزوجت وأنجبت. لا أعرف أين هي؟ تعيش هنا مع زوجها وابنها الرضيع. أنا الذي ربيتها بعد مقتل الضابط الذي كانت معه ومازلت أحتفظ بالملابس برقت عيناها في هلع، تشنجت كل عضلات وجهها. لله ثم التفتت إليه تقبل يده وهى ترجوه أن يقودها إلى «مريم» الآن. أخذت «فاطمة» ابنتها في أحضانها بعد فراق طال أكثر من ربع قرن. «فاطمة» رفضت بشدة وهي تقول