صدرٌ كالصُّندوق على فخذين كعضادتين، في مشيته شيء من الخيلاء يبرئ تسميتها غطرسة، كان يرطُل كلَّ كلمة ويروزها قبل أن تنطلق في الهواء، رأسه ثقيلٌ كما يعبِّر العوامُّ عن الرصانة، يدور على قدميه بكلِّ مهابة، إن التفت كأنه مصراعُ بوَّابة الدير المصفَّحة، فحصت ضميري فحصَ مؤمن مُوسوس قبل الاعتراف لأتذكر ابتسامتَه فأصفها، أذكر أن لثته كانت محمرةً، وربسَه بيديه ساخطًا. كان عرسُه أوَّل الأعراس التي شهدتها، غناء وحداء وزغردة، الملبَّس والرز والقمح تتناثر من كل بيت تمر به العروس، الثياب جميلة والزِّي طريف، ويدٌ كأصِّ الكبَّا. كانت أُم العريس في تلك الساعة نهبًا مقسمًا، تجيب الجميع على عباراتهم التقليدية بالأجوبة المعدَّة لها، وتؤهل بحرارة بربَّة البيت العتيدة، وصمدت العروس فوق صندوق وإلى جانبها شبينتها وما حولها بنات جنسها، إلا ثرثارة سمعتها تقول: لولا يرجع وحده، الله يساعد أمه! وقالت امرأة أخرى: هذي زيارة، وهموا أن «يدبكوا» فمنعوهم لأن البيت علية أرضها خشب. دام أسبوعين فأجهز على كيسه، مشهود لها بالترتيب والنظافة، فبيتها دائمًا مسنون الأرض لا يدخله الناس إلا حفاةً لئلا تخدش نعالهم وجه الطين، دستوره: «أعطنا خبزنا كفاف يومنا. فشبع فخرًا ولم يأكل خبزًا. كان جميل الخط حلو الإنشاء، إذا ظفر والده منه بمكتوب أقرأَه معلم الأولاد، وما يسألون إلا عن الفلوس، فكانت رمية من غير رامٍ. فتجمهر الناس على تلك البشارة، كلها تثني على المعلم ثناءً عاطرًا، وتعظم إقدامه على إنشاء مدرسة لأبناء الجالية بعدما كادوا أن يتأمركوا، فعلَّمهم لغتهم التي تربطهم بوطنهم، وفيها أيضًا مختارات من شعره ونثره وصورته بين أكابر الجالية، «الصيت الجيد خير من المال المجموع. ثم يردها إلى مستقرها. علمت أنه يحدِّث نفسه، أما ماذا كان يفكر … طبعًا لم يكن يفكر باختراع البارود! هو عَيٌّ يعمل بقول المثل: «خليها في القلب تجرح، ولا تخرج من الفم تفضح. قبروا الفقر ونحن نشتهي العضة بالرغيف، أنا صرت على حفة قبري ولكن البنت! رطل الطحين بنصف عسملِّي، ويا ليته قمح. فمن لم يمت بالجوع مات بغيره، وجهَّزه للرحلة الكبرى تجهيزًا لائقًا به.