انا آسف على الغياب لمدة أسبوعين بسبب السفر، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا دائماً على الخير وكما جمعينا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} اللهم آمين. الحمد لله ولي الصالحين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وإمامنا وحبيبنا وقرة عيننا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد فنكمل ما بدأناه من الكلمات في تفسير كتاب الله تبارك وتعالى وتم الكلام لما يسر الله جلّ وعلا عن سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله تبارك وتعالى، سورة البقرة التي سماها النبي صلى الله عليه واله وسلم سنام القرآن أي أعلا ما في القرآن، وهذه السورة العظيمة سورة البقرة قال عنها النبي صلى الله عليه واله وسلم (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وقد سَمعت أخي الشيخ نواف سالم بن قرم حفظه الله تبارك وتعالى يُحدث عن امرأة حاول بعضهم أن يؤذيها عن طريق السحرة فذهب إلى أحد السحرة وطلب منه أذيتها فوعده شراً فلما جاءهم إلى اليوم التالي قال: لا أستطيع فقال أنا جديد على المهنة الخبيثة ولكن اذهب إلى الساحر فلان فإنه يستطيع ذلك، يقول: فذهب إلى الساحر الثاني وقال: أمهلني ولكن هذا يكلفك مبلغاً وقدره فقال: لا بأس، فذهب إليه قال: انتظر حتى آتيك بالخبر، ولكن اذهب إلى الساحر فلان فإنه أقوى مني، فذهب إلى الساحر الثالث فكلّمه وطلب منه مبلغاً من المال فقال: نعم ثم قال: أمهلني فلما جاءه قال: أرسلت إليها المردة وهم عفاريت الجن بل أقوى من العفاريت، قال: أرسلت إليها المردة فما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، ولا أنصحك أن تذهب إلى غير قال: لماذا؟ قال: لأنها في كل ليلة تقرأ سورة البقرة ولا نستطيع عليها أبداً فإن هذه وأمثالها لا نقدر عليها. قال لا يستطيعون على هذه السورة. وجاء في فضل آياتٍ من هذه السورة كما في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه بينما هو جالس مع أصحابه صلى الله عليه واله سلم إذ نزل إليه ملك أو فتح باب من السماء فنزل إليه ملك فقال: (فَجَاءَ الْمَلِكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيُّ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، هذه السورة العظيمة التي هي سنام القرآن كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة العظيمة ينبغي على المسلم أن يحرص على قراءتها وفهمها وحفظها وتدبرها وتكرارها وقراءتها في البيت فإنها سورة مباركة وكل القرآن مبارك. نبدأ بحول الله تبارك وتعالى في الكلام عن هذه السورة المباركة ألا وهي سورة البقرة، سميت سورة البقرة بهذا الاسم لأنه ذكر فيها قصة موسى مع بني إسرائيل حول البقرة لما قال: بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين} [سورة البقرة:67] وإن شاء الله تعالى إذا وصلنا إلى هذه الآية سنتكلم عن تفاصيلها، سورةُ البقرة هي أطول سورة في كتاب الله تبارك وتعالى، ما المراد بهذه الأحرف؟ فبعض أهل العلم قال: هذه الأحرف هي اسم للسورة، كل سورة بدئت بأحرف وهذه الأحرف هي عبارة عن اسم لهذه السورة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: )اقرأوا الم السجدة) فسماها الم فقالوا "هذا اسمها" فقالوا: "هذا اسم للسورة" وبعض أهل العلم قال: لا الم هذه أحرف الله أعلم بمعناها لها معنى مراد من الله تبارك وتعالى ولكننا لا نفهم من المتشابه الذي أمر الله بالإيمان بهِ وإن لم نَعرف معناه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن {الم} لا معنى لها في ذاتها، لأنها ليست بكلمات وإنما هي أحرف وإنما لها دلالة، أليست هذه أحرفكم؟ أليس كلامكم مكون من هذه الأحرف؟ "أ" "ل" "م" "ت" "ب" "ث" "ح" هذه أحرفكم التي تتكلمون بها والقرآن مكون من هذه الأحرف فأتوا بقرآن مثله، "ا" "ل" "م" هذه كلامكم أنتم تتكلمون بهذه الأحرف لم نأتيكم بلغة جديدة، ولكن هذه لغتكم التي تتكلمون بها، وهكذا تأتي هذه الأحرف يأتي بعدها ذكر القرآن الكريم ليقول إن القرآن الكريم الذي تحداكم الله بهِ إنما هو من هذه الأحرف التي تتكلمون بها، فهي لا معنى لها في ذاتها وإنما لها دلالة التحدي، تحداهم في أن يأتوا بعشر سورٍ مثله، تحداهم فيه بأن يأتوا بسورةِ من مثله، والآن يقول: لهم "وهذا الذي اتحداكم به هو الأحرف التي تتكلمون به وأنتم تقولون: نحن أهل البيان" فإن كنتم كما تقولون أو كما تدعون أنكم أهل البيان فأتوا بمثله وهذه معجزة خالدة إلى اليوم يُتحدى من غير المسلمين ومن الإنس ومن الجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم، الم} أحرف لا معنى لها في ذاتها وإنما لها دلالة، هذا هو الكتاب الحق، ذلك الشاعر أي هذا هو الشاعر وغيره أقل وهكذا. ما يستطيع أحد أن يشكك في هذا القرآن الكريم، فكل ما أخبر به صدق ولذلك لما جاء أحد المشركين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما نزل قول الله تبارك وتعالى: {غُلِبَتِ الرُّوم فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون} [سورة الروم:3] فلما قال: الله ذلك سبحانه وتعالى جاء أحد المشركين لأبي بكر الصديق وقال: إن ربك يقول {غُلِبَتِ الرُّوم فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون} لأنهم كسروا كسرة عظيمة، قال: نعم أراهنك أنهم سيغلبون لأن الله أخبر أنهم سيغلبون وهذا قبل النهي عن الرهان، فراهنه أبو بكر الصديق أنهم سيغلبون وتراهن معهم على ثلاث سنوات، وإذا غَلبوا المشرك يدفع الرهان، ثم رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: راهنت أحد المشركين على هذا الأمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زد المدة وزد الرهان، لأن الله قال: {في بضع سنين} والبضع من الثلاث إلى التسع قد لا تكون بعد ثلاث سنوات ارفع إلى ثلاث سنوات وزد الرهان، الشاهد من هذا أن أبا بكر الصديق كان عنده ثقة بخبر الله تبارك وتعالى {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [سورة فصلت:42] طالما أخبَر أنهم سيَغلبون إذاً سيغَلبون، ثم قال: {فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} [سورة البقرة:2] فهو هدى للمتقين وهدى لغيرهم ولكن المتقين هم الذين يستفيدون من هذا الهدى أما غيرهم فلا يستفيد من هذا الهدى قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [سورة الإسراء:82] فهو هدى للمتقين وعمى على غيرهم فيستفيد المتقون من هذا القرآن الكريم.