تاريخ الأدب المقارن في البلدان العربية مثّلت بدايات الخمسينيات من القرن الماضي النشأة الحقيقية "المنهجية" للأدب المقارن في الوطن العربي، تلك النشأة التي ارتبطت –عمليا- بعودة (محمد غنيمي هلال) من بعثته إلى فرنسا لدراسة الأدب المقارن، إذ بدأ بعد عودته مباشرة في تدريس مادة الأدب المقارن لطلاب كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكلية الآداب بجامعة عين شمس، ومع إصدار الطبعة الأولى من كتابه الرائد "الأدب المقارن" بدأ عهد جديد من فصول الأدب المقارن في العالم العربي. لكن في ثنايا مسيرة الأدب المقارن في العالم العربي يمكن رصد عدة محطات ومراحل تحسب سواء للرواد الأوائل ممّن بشروا بهذا الحقل المعرفي، أمّا هذه المراحل فيمكن تقسيمها إلى: ومن هؤلاء: المتتبع لسيرة الشدياق، يرى فيها تجربة ثرية مكنته من ملامسة الآداب الأخرى والاطلاع عليها، وموسيقاهم ولغتهم. فضلا عن ذلك، انصرفت جهود الشدياق –الذي اتصل مبكرا بالشعر الأوروبي- على إظهار الموازنات بين المديح العربي والمديح الأوروبي. من المحاولات المبكرة الجادة للاحتكاك بالأدب الأوروبي، ثم شرحها. لم تتوقف جهود البستاني عند هذا الحدّ، وإنّما مضى في إجراء الموازنات بين الملحمة اليونانية، وما بين تجربة الشعر القصصي العربي، منتهيا إلى نتيجة مؤداها أنه لا وجود لملحمة عربية، على عكس ما ذهب إليه البعض من محاولة إكساب (حرب البسوس)، باعتباره فقيها وأزهريا، وخرج من تجربة السفر إلى فرنسا بكتاب حظي بشهرة واسعة وهو "تخليص الإبريز في تلخيص باريز". وعادات أهلها وطبائعهم، وآرائه، فضلا عن هذين الاسمين، فإن عددا من الباحثين في تاريخ الأدب المقارن عند العرب، ذهب إلى جهود (علي مبارك) صاحب حكاية (علم الدين) التي عرض فيها لاختلاف أوجه الثقافة بين العرب والأوروبيين و(أديب إسحاق) الذي توجهت بعض جهوده في إبراز اختلاف الأساليب بين العرب والأوروبيين في أثناء معالجته لظاهرة السجع والتكلف في النثر العربي. ولكن من حيث كونه فكرة متشكلة في الأذهان، أمّا البدايات المنهجية الحقيقية، وتلقّي الأدب المقارن باعتباره ذلك الحقل المعرفي "المستجد" في مجال الدراسات الأدبية، وفكتور هوغو"، ذلك الكتاب الذي شارك به المؤلف في الاحتفالات التي نظمتها فرنسا بمناسبة مرور مائة عام على مولد فيكتور هوغو، وقد نشر الكتاب للمرة الأولى مسلسلا في مجلة الهلال ما بين عامي 1902-1904، صحيح أنّ محور الكتاب كان حياة (فيكتور هوغو 1802-1885) أديب فرنسا العظيم، ومن هذه القضايا: - تأثّر شعراء التروبادور بالشعر العربي في الأندلس. - قصص الحيوان بين الأدب العربي والآداب الشرقية والغربية، حيث تطرق إلى دور كتاب "كليلة ودمنة". ومحاولته تفسير ذلك. لذا جاءت الصورة التي رسمها للشرق غير دقيقة" . مثل اهتمام العرب بالشكل والزخرف البديعي، كالكلاسيكية والرومانتيكية. وما ينطوي عليه الاثنان من مبالغات تاريخية. وبالنظر إلى هذه القضايا سنجد أنها قوية الصلة بالأدب المقارن، على الرغم من أنها تشكّل مرحلة ما قبل البداية المنهجية. فكان يجيد الفارسية والتركية والفرنسية والإنجليزية، مما يعني أنه كان يمتلك أداة مهمة من الأدوات التي يجب أن يتسلح بها الباحث المقارن، ولكن كل ما يؤخذ على بعض أطروحاته أنها كانت لا تنطلق من منطلق علمي منهجي، يمكن أن نضيف إلى هذه المحاولات التي مثّلت مرحلة البدايات، الدراسات المنهجية: كان ذلك في كلية دار العلوم بالقاهرة، بعدها، - (محمد غنيمي هلال 1917-1968) أساسا معرفيا مهما لكل الباحثين في هذا الميدان. حيث تلقّى معارفها على يد أحد كبار أعلامها (جان ماري كاريه) ، وهو الأستاذ نفسه الذي تتلمذ عليه كل المبعوثين الأوائل إلى فرنسا لدراسة الأدب المقارن حيث كانت تربطه بمصر وبمؤسساتها الأكاديمية علاقة وثيقة. إلى جانب كونه يعرض نظرية الأدب المقارن، بعد تلك البداية، تزايد الاهتمام بالأدب المقارن، وأصبح مادة أساسية في معظم الجامعات في مصر والعالم العربي، وبعد جيل الرواد المبتعثين الأوائل، وأساتذة اللغات الأجنبية والشرقية والغربية، باعتبار أنّ هؤلاء تلقوا أسس النظرية الأدبية سواء على يد الرواد الأوائل، أو تلقوا تعليما منهجيا سليما ضمن اختصاصاتهم الأدبية، فضلا عن تأليف الكتب الأكاديمية، - حسام الدين الخطيب : أحد أبرز الباحثين العرب في مجال الأدب المقارن، وبحوثه المعمقة في مجال الترجمة، على رفد المصادر العربية بمجموعة من المؤلفات المهمة في ميدان المقارن، وقد كان لتخصصه الأكاديمي الدقيق، وتتبعه لمبادئ هذا العلم في صيغته الإنجليزية (حصل على الدكتوراة في الأدب المقارن من جامعة كامبردج) دورا كبيرا في تعزيز الدور الذي أداه في ميدان الأدب المقارن العربي. ومواظبته على حضور فعاليات مؤتمراتها المؤثرة، - سعيد علوش : من الأسماء المعاصرة التي حملت على عاتقها نشر الفكر المقارن، يتضح ذلك من خلال تصفح أبرز عناوين مؤلفاته في هذا الميدان، ومنها: -إشكالية التيارات والتأثيرات الأدبية في الوطن العربي. مدارس الأدب المقارن (دراسة منهجية).