كثيرا من الناس ما يعتقد أن ظهور الإنترنت واستخداماته الواسعة وسرعته في إيصال المعلومات قد يغني عن الكتاب ويجعل الناس تعزف عن المطالعة, وكثيرا من الناس ما يعتقد أنه ما دام يملك جهاز كمبيوتر ومشتركا بشبكة الاتصالات العالمية, لم يعد بحاجة إلى الكتاب والقراءة, أو الذهاب إلى مستودع كتب أو مكتبة العامة, ما حاجتي إلى كل هؤلاء وأنا أستطيع أن أحصل على ما أريد من معلومات وأتصل بالناس بواسطة الإنترنت! إن هذا الاعتقاد هو بلا شك معتقد خاطئ, بظهور الإنترنت, أو ينتظر البريد العادي لينقل إليه الرسائل وغيرها من المعلومات؛ ويطالع كتبا وأشعارا وصحفا ودراسات وتحليلات وهو قابع في مكانه وراء حاسوبه؛ ويستطيع أن يتاجر ويبيع ويشتري ويحب ويعشق ويتزوج ويستمع للأغناني, ويشاهد أفلام وفيديوهات فور بثها أولا بأول دون تأخير؛ وبذل المجهود الذي يشعره بقيمته وإنسانيته, أو رسالة يكتبها, أو فيلم يشاهده في سينما صاخبة, أو مسرحية يحضرها بممثيليها وأضوائها ورائحتها ورنين صوتها على مسرح ناطق, أو كتاب بين يديه يطالعه وهو متفيء ظل شجرة, أو مسترخ في التخت, ولن يستطيع, ما دام الإنسان لا يتفاعل مع الناس وجها لوجه, ناهيك عن أن الإنترنت ما زال غير متوفر لدى الغالبية العظمى من الناس, كما أن استخدامه بالشكل الكامل والصحيح يحتاج إلى مهارات لغوية وتقنية لا تتوفر لدى الكثير من الناس. في الوقت نفسه, إلى جانب التكلفة المادية الأساسية, وفي هذه الحالة يختلف عن الكتاب الذي يصبح مرجعا في المكتبة مع مرور الزمن. ثم أن جلوس الشخص وراء الحاسوب فترة طويلة لاستخدام الانترنت قد يسبب له الكثير من الأمراض الجسمية كأمراض القلب والديسك وتشنج العضلات وضغط الدم وضعف البصر, وتبلد الأحاسيس, وقلة الاختلاط وفقر التعاون, كل ذلك ناجم عن الادمان في استخدام الإنترنت. وعناوين, وأسماء أشخاص وشركات ومؤسسات ودور وبنايات وغيرها من المعلومات دون أن تزوده بالتفاصيل عن هذه المعلومات, مما يضطره الذهاب إلى الناس مباشرة ليقضي حاجاته, والإنترنت بذلك لا يعطي المعلومة بعمق كما يعطيها الكتاب أو المادة المطبوعة, ولا تدوم فيه المعلومة كما تدوم في الكتاب أو المادة المطبوعة, ولا يساعد الإنترنت المستخدم على التفاعل مع الأشخاص الذين يتعامل معهم وجها لوجه, ثم لا ننسى أن الذي اخترع شبكة الإنترنت وزودها بالمعلومات هو الإنسان الذكي القارئ المطلع المتعلم المزود بالعلم والمعرفة والمهارات, والتي ما اكتسبها إلا عن طريق الدرس والمطالعة والقراءة من خلال تفاعله مع الكتب والمكتبات, والدورية والمجلات, والكلية والجامعات, ولا ننسى أيضا أن تطوير شبكة الإنترنت بين الحين والآخر وتحديث المعلومات التي تحتويها لا يقوم به إلا الإنسان العالم العارف المطلع على آخر العلم والمعرفة, وهذا كله يحتاج إلى الكتاب وقراءته, والتفاعل مع مضمونه وسطوره بكل ما فيه من معلومات وأفكار, وما ينميه من محصول لغوي ومفردات تعتبر عامل مهم من عوامل تنمية الذكاء والقدرات العقلية, وحافز على الاستزادة من العلم والمعرفة, ولعزف الناس عن اصطحاب الكتاب ومطالعته في كل مكان كما نلاحظ في الغرب حيث نجدهم يقرأون ويطالعون في الباص والسيارة والطيارة, وأماكن التنزه وغيرها من الأماكن, وما دام العكس هو الصحيح, وستظل المطالعة هي المحرك الأول لتعلم الإنسان واكتسابه للمعرفة. فلولا الكتب والكتاب, والشعر والشعراء, لما وجد الإنترنت ولما قرأ أحد أية معلومة على شاشته, من هنا, فسيظل القلم والورقة هما الأساس في التعلم والتعليم, ويؤلفون وينشرون ويبدعون على صفحات الورق, قبل أن يعدوها على صفحات الإنترنت.