يعتقد بعض العلماء أن القرآن نزل على النبي مرتين: الأولى نزولًا إجماليًا جملة واحدة، والثانية نزولًا تفصيليًا تدريجيًا خلال 23 سنة من البعثة إلى الوفاة. نزول الإجمال يعني نزول المعارف القرآنية وأسراره على قلب النبي ليمتلئ بنورها، بينما التفصيل يعني نزوله بألفاظه وآياته المتعاقبة المرتبطة أحيانًا بالأحداث. كان النزول الإجمالي لتنوير النبي وتثقيفه بالرسالة، وتؤيده آيات مثل (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) [البروج: 21-22] التي تشير لوجوده في اللوح المحفوظ بكيفية خاصة. وتفيد آيات أخرى نزوله جملة واحدة في ليلة القدر بشهر رمضان، وهو القول الأشهر والأصح، مدعومًا بأحاديث عن ابن عباس تؤكد نزوله جملةً إلى سماء الدنيا ثم تنزيله تدريجيًا على النبي. يُذكر أن نزوله جملةً إلى السماء يُفخم أمر القرآن والنبي، ويعلم سكان السماوات به، ويتساوى فيه محمد مع موسى وعيسى في نزول الكتب جملة، مع تفصيل خاص لمحمد. استمر التنزيل التدريجي 23 سنة، وتؤكده آيات مثل (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) [الفرقان: 22] و (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث) [الإسراء: 106]. كان لهذا التدرج أثر كبير في تحقيق أهداف القرآن وبناء الأمة. مثال ذلك، تشريع الجهاد على ثلاث مراحل، والصوم، وغيرها من الأحكام التي سُهّلت على الناس بالتدريج. الحكمة من التنزيل التدريجي: تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم بتجدد الوحي، وتيسير حفظ وفهم القرآن، وتقديم معجزة جديدة في كل مرة، وتأييد النبي ودحض باطل أعدائه، والتعهد الإلهي له عند الشدائد. الحكمة الثانية: مراعاة التدرج في التشريع وتربية الجماعة، كما في تحريم الخمر على ثلاث مراحل. الحكمة الثالثة: مواجهة الشبهات والأسئلة المختلفة من المشركين، ومجاراة الوقائع ببيان حكم الله فيها عند حدوثها. الحكمة الرابعة: كون القرآن عملية تغيير إنساني شاملة، لا تتم دفعة واحدة، بل بتدرج حكيم. اختلف في أول ما نزل من القرآن، فأصح الأقوال: صدر سورة العلق ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) مدعومًا بأحاديث عن عائشة. أما آخر ما نزل، ففيه أقوال متعددة، وليس بينها حديث مرفوع واحد، وقد استمر نزول القرآن فترة البعثة، تقريباً ثلاثة وعشرين عامًا، باستثناء فترة فتور.