بدأ باخوم رحلته وهو يركض بمنتهى القوة والخفّة والنشاط، وكان كلما قطع مرحلةً كبيرةً وأراد الوقوف عندها، أغرته خصوبة الأرض فاستمر في الركض. وظل يركض ويركض إلى أن انتصف به النهار، فأخذ يركض إلى الناحية الثانية، أخذ يلهث إلى الناحية الثالثة. ففكّر أن يعود إلى النقطة التي بدأ منها حتى لا يخسر كل شيء، قائلا في نفسه: حسبي ما أخذْتُ مِن هَهُنا؛ وبدأ يخلع ثيابه قطعةً فقطعةً، يركض، وقدماه تمزقهما الأشواك والحجارة الحادة. ولما اشتد به التعب فوق الطاقة، فكر أن يجلس ليستريح ولو للحظات، ولكنه أبصر الشمس تنحدر نحو المغيب، فاستمدَّ من ضعفه قوّةً، فجعل يركض ويركض وأنفاسه تخرج متدافعةً، لا يكاد يُرسل النفس حتَّى يلاحقه الآخر. وقبل أن يصل إلى سفح الجبل غابت الشمس، فخار واضطرب اضطرابا عنيفًا، ولكنه تذكر أنَّ الشمس في السفح قبل القمة، وإذ ذاك كافح مرّةً أخرى، وأخذ يجري ويجري بكل ما لديه من بقايا خافتة مِنَ العزم والقوة. ولما وصل قبل مغيب آخرِ شعاع مِنَ الشمس،