ومنهم من يعتبره داءً يحب الموت به . وفي المجتمعات كلها كثرت أخبار المحبين من صنع المخيلة، حيكت حول عشقهم أخبار تجاوزت حد المنطق، فبلغت شهرة عالمية وحملت مغازي ورموزاً متنوّعة، كأسماء نرسيسس» في الميتولوجيا الإغريقية، و«روميو وجولييت» في مسرح شكسبير، و«فالنتان» الذي قيل إنه عاش في القرن الثالث للميلاد وارتقى إلى مستوى القداسة وغدا شفيع العشاق. ونشير إلى أن الشعوب القديمة جعلت للحب آلهة، فكانت «أفروديت» عند الإغريق، و«فينوس) عند الرومان، و «عشتروت» عند الفينيقيين. سأل الأصمعي أعرابية عن الحب فقالت: هو في الصدور كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى وإن تركته توارى الحب. الحب شعور داخلي يحمل صاحبه على الميل نحو شخص آخر والرغبة به، وهذا الشعور إن حرك عاش وإن أهمل مات. يقدح شررا إن وريت ناره فإنّ القلب، على سكونه يتقد ويتأجج إن أيقظت فيه وقد اختلفت الآراء في ماهية الحب فذهب بعضُهم، كالمفكر الاندلسي ابن حزم القرطبي، إلى أنّه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة عن أصل عناصرها. ويقول الكاتب الفرنسي جان جاك روسو: «الحب شعلة غير مرئية، فتمنح المرء حياة أسمى من الحياة العادية وأشمل». هذا يعني أن الحب انفعال قوي أمام معالم الجمال به تتجاذب أجزاء الوجود فتتناغم وتتكامل كأعضاء الجسم المتآلفة وبواسطته تتبلور فكرة اتحاد المحب بالمحبوب فيغدو الرائي هو المرئي نفسه. وما دام الحب أمراً ذاتياً فإنه يختلف باختلاف الأفراد، منهم من يراه علاقة جسدية، ومنهم من يراه علاقة روح بروح منهم من يراه كفاية نظر أو لقاء في البعد أو وصالاً منبع وحي رسما ورقصا ونغما، وإذا كانت الأعرابية قد لجأت إلى التلميح والتشبيه لتوضيح معنى الحب، فإن التعبير عن الصادق منه يكون، فيضًا ذاتيًا في قطع أدبية تجسده وتثبت وجوده. فتحدّث الشعر والنثر عن اتجاهاته الإباحية والعذرية والروحية، كما عبر المتصوفون عن الحب الذي يصلهم بالعزة الإلهية.