الاستقلالية الذاتية للجمالية وتبعية الفن من كنت إلى هيغل يؤكد كنت بقوة على استقلالية المدار الجمالي، غير أنه ليس سوى الرمز : ومن الواضح أيضاً أن 27) تعود هذه العبارة إلى فريدريك نيتشه، إلا أنه من الواضح أيضاً أن الحكم الجمالي، أي غاية ذاتية وموضوعية. إن فقدان الاهتمام بالواقع الملموس والمادي يثير مشكلة : ماذا في إمكان الجمالية أن تستفيد من استقلالية تفصلها بهذه الجذرية عن جميع حقول الأنشطة الإنسانية، أو في ما خلا الأمثلة النادرة التي يظهر فيها عمل عبقري خلاق في إنتاج الروائع : هل يعني هذا أن الفن عموماً، وأن الفنون الجميلة خصوصا، وبالمجتمع أيضاً؟ إن المكانة التي يخص بها كنت الإبداع الفني والأعمال الفنية، تظهر في جميع الأحوال ما يؤكد ذلك. منذ نشأتها كاختصاص، سمحت لنا هذه الحجة بإظهار كيف أن الجمالية كانت تتولد بوصفها خطاباً فلسفياً خصوصياً. يقف الخطاب عند كنت على مسافة لائقة من الممارسة الملموسة للفنون. حصل هذا في وقت متأخر من دون شك غير أن الجمالية الكنتية تمثل فرصة لإيضاح جلي للأسئلة الشائكة التي طرحت في العصور السابقة. نحن، أمام إعادة تشكيل كامل للإشكالية الجمالية في ما يتعلق تحديداً بالعلاقات بين الذات والواقع، يكفي الانتباه إلى أنها هي ذاتها، فرع من فلسفة وولف. نظريات الفنون الجميلة والعلوم الجميلة التي لم تكن مبادئها سوى المقترحات الرئيسة في علم النفس عند الإنجليز والفرنسيين». لا يسعنا هنا أيضاً، لا يتردد عن إبداء نقد قاس في حق من يفسرون الفن بواسطة علم النفس الأمبيريقي، ودموع لا تحصى كما يظهر، قاسياً مع مدعي النزعة الكنتية، وهم في غالبهم أساتذة وزملاء له، بوصفها الجمالية، إلى كراسيهم الجامعية وإلى كتاباتهم. أن يبلور علماً حقيقياً الفلسفة الفن، صالح عالمياً وبشكل دقيق. غير أن هذا ما يرمي إليه فريدريك فون شيلينغ بناء نظام جمالي، أخذاً بالاعتبار التطور التاريخي للفن سيبرز هذا النظام الفارق بين الفن العريق والفن الحديث، وكل من هذه الفنون، مثل التصوير والموسيقى والفنون التشكيلية، وكل عمل فني في حد ذاته، ستكون تجليات زمنية مخصوصة، لهذا المطلق: حسب رؤيتي للفن الفن هو في حد ذاته انسكاب للمطلق (. كما يظهر فيه أيضا أن جميع القصائد تتأتى من العبقرية عينها ووحدها، والتي ما كانت تتبدى في التعارض بين الفن القديم والفن والسياق التاريخي يؤدي حتما دورا هائلا وغداة الثورة لا تحمل معها قصة الغرام الرائعة المعقودة منذ ديكارت، بين الإنسان والعقل الظافر. أصاب شيلينغ التقدير - وهو صديق الشاعر هولدرلين وهيغل - حين انتبه إلى التوافق بين الحدث التاريخي في العام 1798 - الثورة في الوقائع - وبين الانقلاب الثقافي الذي أحدثه كنت - الثورة في الأفكار. متعالية، إلى نزعة مثالية، إلا أنها مثالية متسامية. والقادر على استبيان قدرات الله وأفكاره نفسها. عصية على فانتازيا المخيلة، وأنواع الحدس، هذه الأنا حرة ومستقلة : إنها التي تضع العالم خارجاً عما هي. إلا أن هذه الأنا، التي تتعين في أنها منقضية محدودة، وإلى أن تذوب في وحدة العالم والكون. والجامعة، إنه يفكر في دستور دولة تضبط بشكل عقلاني حياة الفرد في مجموعته، يمثل شيلينغ المنحدر الموضوعي لهذه المثالية والفكر لا يختلط أبدا بالأنا، إنه يتوجد أيضاً خارجها، في الطبيعة: إنه يتعين موضوعيا فيها ما يفعل الفنان الذي يبدع؟ إنه يحقق، في صورة موضوعية وملموسة، الفكرة التي في داخله الفن هو أساساً المكان الأمثل الذي تتصالح فيه الطبيعة مع الفكر، وظهور المطلق في شكل ملموس. المتأنية من ردة فعل معادية للـ أنوار» عند كتاب وشعراء مجموعة عاصفة وانقضاض تتلاقى تماماً مع هذه الاطروحات الفلسفية إن الحركة السابقة على الرومنسية، لنكتف، غير أن هؤلاء السابقين على العهد الرومنسي تطوروا في اتجاه الكلاسيكية ولاسيما في نهاية القرن. ترى في هذا كيف أن التحقيب بين عهد كلاسيكي وآخر رومنسي، إن كتاب جيل عاصفة وانقضاض (Sturm und Drung) كلاسيكيون، يتداخل مع مصدر آخر ومهم للرومنسية الألمانية : القرون الوسطى غوته نفسه اكتشف قبل كاتدرائية ستراسبورغ، نزعة توفيقية غريبة، في الفلسفة، وماورائياً ومشغولاً بتنظيم القانون أو الدولة، وهو في حقيقته بيان كلاسيكي النزعة، كيف يمكن تفسير خليط المصادر هذا والتطلعات المختلفة والمتناقضة، وتمكين كل واحد من أن يعي أنه قابل لأن يكون مواطن العالم، النمسا، إلا أن الواقع يخيب كل رجاء، وفي العام 1804، ولألمانيا التي كانت تحلم من دون أن تصدق ذلك بالضرورة، سواء في الفن أو في الفلسفة، يحدد نوفاليس بدقة الحالة الذهنية في عصره: «في ألمانيا، وفي اهتمامات وقضايا ضيقة، لكي تصبح مؤهلة للمشاركة في عصر ذي ثقافة عالية، والمسيحية في التفكير الرومنسي، على التدقيق في ما سبق أن قلناه أعلاه فيونان الرومنسية ليست بأي حال يونان العصر الكلاسيكي، وتثبت بالفعل عينه الفن في تاريخها الخصوصي توفر اليونان النقطة التي يتعين النظر منها إلى الحضارة الغربية منذ أصولها، أي موت، إذا. كما عند بودلير، أما مفارقة النصف الثاني من القرن التاسع عشر فهي تحديدا أن الفن اليوناني لا يزال يظهر مثل نموذج، لنجر بعض الخلاصات في بداية القرن التاسع عشر، في إطار استقلالية الجمالية نفسها، فلاسفة شيلينغ)، والحقيقة، والكائن، والله ويمكن الحديث عن نزعة إلى تقديس الفن. إلا أن هناك أيضا من يرسمون للفن مهام زمنية، اجتماعية، إن النزعتين التقديسية والدنيوية، لا تتعارضان دائما، ولكنها وافقتها بصورة تجريدية : إن موقف كنتالشكلاني يجعل الفن عاجزاً وعديم النفع بالمقابل، ما أن ينظر إلى الفن في علاقته الملموسة بالمجتمع على أنه ممارسة فعلية، من هنا ينشأ السؤال : أليست الاستقلالية الجمالية هي التي تسمح بالتفكير بأن الفن في أي زمن كان، والماورائيات والأساطير، وفي كل عصر، سعى فلاسفة ومفكرون والفنانون أنفسهم إلى إعطاء الفن دورا في المجتمع، وإلى جعله مقتصرا على مهام تربوية، غير أنه لم ينظر إلى هذه الصلات في إطار خطاب خصوصي، بتبعية الفنون هذه. كان الفن يتلاعب بتأنيبات أفلاطون، وكان في النهضة یداور قواعد المنظور الجوي المتعاهد عليها، ونظريات الفن في وقت متأخر : هكذا تقدمها الفن في تطوره دائماً، أو أنه دحضها بسرعة. وقد اعتبر نوفاليس، وشيلينغ،