مقدمة: و مشكلات الحياة هي نبع الفلسفة ومحك اختبارها. وجرى إشباع فضولنا الإنساني، فمن غير المحتمل أن يكون هناك أي نشاط فلسفي، ذلك أن المصدرين الأساسيين هما الفضول فيما يتعلق بالذات و بالعلم، و الرغبة في التغلب على جميع أنواع المعاناة. و إنما نحن ندرك أن لذواتنا هذه الاحتياجات و ذلك الفضول، وحن ننظر إلى ذواتنا في سياق ما يحيط بنا. باعتبارنا كائنات تكافح للتغلب على المعاناة، و تحاول كشف أسرار الوجود. وعلى هذا النحو فإننا نفحص أي نوع من الموجودات تكون؟ و في أي نوع من العالم نعيش كما نفحص مصادر القيمة والمعرفة التي تميز وجوهنا، فالنشاط الذي يدور حول تأمل الذات هو ما يشكل الفلسفة. إلا أن نتساءل عن معنى الحياة وقيمتها. وبما أن أهم أنشطتنا ترمي إلى الحفاظ على الحياة و إضفاء قيمة عليها، و تطور أفكاراً حول طبيعة الوجود الإنساني و الحياة الطيبة. و لكن كيف يتأتى لنا أن نعرف هذه الأفكار صحيحة؟ إن التفكير التأملي يضع كل فكرة موضع التساؤل، و إما أن تقبل أو ترفض. ينبغي لنا أن نحيا، و إنما تمحص أفكار الآخرين، و أن نختبره بكل ما وسعنا من طرق، بل ينبغي التصدي بالفعل للمعايير التي تستخدم في اختبار ردودنا، ولكن كيف تعرف متى يكون الجواب صحيحاً؟ و ما المعرفة؟ و كيف تعرف أن ما نسميه بالمعرفة هو معرفة حقاً؟ قد يبدو تأمل ما نعرفه عن معرفتنا أمراً شديد البعد عن المشكلات العادية لحياة. أو أن نقترح حلا، بل يتعين علينا أن تحاول تبرير الحل المقترح باعتباره جوابا مقنعا عن السؤال الأصلي، و ربما رأياً خاطئاً، فإن نظريتنا بأسرها، و فكرتنا عن وسائل تحقيقها قد يغير ان أيضاً. في بعض الأحيان بأنهم يعيشون في أبراج عاجية و أنهم لا يركزون إلا على التفريعات و التجريدات المنطقية، و هناك بالطبع احتمال أن يكف التأمل من الارتباط بقضايا الحياة الأساسية، و عندما يحدث ذلك فإن الفلسفة تفقد الكثير من أهميتها و تكف عن خدمة الشخص العادي في تأمل وجوده في العالم، 2) ونحن في الغرب معتادون إلى حد كبير على النظر إلى الفلسفة باعتبارها شيئاً مستقلاً عن الحياة مغرقا في التجريد و في الطابع الأكاديمي بالنسبة الشخص العادي. لما في الشرق فإن الهوة بين الفلاسفة والناس العاديين ليست على هذا القدر من الاتساع، عائدين إلى محك التجربة الإنسانية لاختيار نظرياتهم، والناس العاديون يمتدون باهتماماتهم إلى ما يتجاوز حياتهم العادية و يكافحون لرؤية الوضع الصحيح لوجودهم و لفهمه من خلال المفاهيم الفلسفية. ويرجع هذا الاختلاف بين الشرق والغرب و هو على وجه اليقين في الدرجة في جانب من جوانبه إلى التشديد الشرقي على كمال الحياة و المعرفة. الخ. فليس هناك تمييز قاطع بين الفلسفة الشرقية والديانة الشرقية أو بين الفلسفة وعلم النفس أو بين الفلسفة و العلم. و من النتائج المترتبة على ذلك: الميل الشرقي إلى حمل الفلسفة محمل الجد البالغ، أو لا تربطه كبير صلة بالحياة اليومية وإنما ينظر إليها باعتبارها المشروع الأكثر أهمية و جذرية للحياة. كان من المستحيل في الصين بعد أن أصبحت الكونفوشية الفلسفة الرسمية، الحصول على وظيفة حكومية دون معرفة كونفوشيوس. و يحدثنا التاريخ الصيني عن العديد من الملوك والفنانين والمثقفين الذين كانوا فلاسفة، 3) و "كيف يمكنني تحقيق التناغم مع الطبيعة؟". و من البين أن هذين السؤالين مرتبطان على نحو وثيق لأنه فيما كانت الفلسفة تمضي في التطور في الصين، كان هناك ميل متزايد إلى التوحيد بين الطبيعة المادية و طبيعة الإنسان، و بقدر حدوث هذا التوحيد تصبح مشكلة تحقيق التناغم مع الطبيعة هي مشكلة تناغم المرء مع نفسه و بالتالي فإن كون المرء في حالة تناغم مع نفسه قد نظر إليه باعتباره الأساسي الضروري لتحقيق التناغم مع الآخرين. و كون المرء في حالة تناغم مع نفسه و مع بقية الإنسانية هو " الخير الأسمى " في الفلسفة الصينية. و لما كانت الطبيعة الأساسية للإنسان ينظر إليها أساسا باعتبارها طبيعة أخلاقية، فالسائد في الجانب الأعظم من الفلسفة الصينية قد تمثل في الأخلاق. والسؤالان: "كيف يمكنني أن أكون خيراً؟"، و "ما هو أساس الخير؟ " هما سؤالان أساسيان على امتداد تاريخ الفلسفة الصينية. وبإجلالها وتوقيرها للحكماء. و تتخذ الحكمة العملية المتراكمة في الهند شكل ترويض النفس (اليوجا) الذي يهدف إلى تحقيق التكامل المطلق للحياة. و لكي يتاح هذا الترويض للنفس لكل الأشخاص، فإنه يتم توجيهه عبر نشاطات العبادة والتفاني و نشاطات العمل ونشاطات المعرفة والتركيز. التي تناهت عبر العصور وقد وضعها الناس موضع الممارسة. 4) قبل ثلاثمائة عام كان حكماء الهند يتأملون طبيعة الذات وطبيعة الواقع المطلق و قد وصل فلاسفة الأوبنيشاد في متابعتهم لهاتين المسألتين إلى إدراك أننا في أعمق أغوار وجودنا متحدون مع الطبيعة المطلقة للواقع. و كانت المشكلة العملية الفورية التي نشأت من هذا الاكتشاف هي كيفية إدراك هذه الذات الداخلية، و من ثم تتحد مع جوهر الكون ذاته، و عجل البحث عن إجابة بالعديد من التطورات في "اليوجا" و الدين، و كذلك بناء صرح فلسفات أخلاقية واجتماعية، وتمحورت المشكلات النظرية التي أثارها هذا الاكتشاف حول صعوبة ربط تعددية الواقع المعيش وتنوعه بالرؤية اليوبانيشادية لوحدة الوجود كله و فضلاً عن ذلك كان من الصعب التيقن من الكيفية التي يمكن بها معرفة مثل هذا الواقع المطلق. و هذه المشكلات التي يمكن صياغتها من خلال أسئلة عن أساس الأخلاق وطبيعة المجتمع و وظيفته و سبل المعرفة الصحيحة ومبادئ المنطق والعلاقة بين المظهر و الواقع هذه المشكلات كافة له أساس مشترك في السؤال العملي: " كيف يمكننا أن نحقق الماهية الروحية التي هي طبيعتنا الحقة؟". لقد اعتنق الملايين من الناس في المناطق البوذية من آسيا تعاليم " جوتاما سد هارت الساعي وراء الحكمة باعتبارها حلا لكل ضروب المعاناة التي تحفل بها الحياة. والمشكلة الجوهرية لدى البوذية هي مشكلة التغلب على المعاناة وتدور التعاليم الأساسية التي قال بها بوذا حول هذه الأسئلة: ما المعاناة غير أنه لا سبيل إلى الإجابة عن هذه الأسئلة دون البحث في طبيعة الذات التي تعاني و طبيعة العالم الذي يشكل مصدراً للمعاناة بالنسبة للذات. و يؤدي السؤال: " كيف تتسبب المعاناة؟ " إلى نظرية عامة عن السلبية تشكل نظريات الذات والواقع التي تتمثل فيها الميتافيزيقا البوذية. 5) والمعرفة و هكذا فإن المشكلة العملية على نحو بارز و الخاصة بقهر المعاناة تثير التأملات التي تشكل المبادئ النظرية للفلسفة البوذية. و على الرغم من الفوارق العديد بين فلسفات الهند والصين و المناطق البوذية من آسيا فإنها تتلاقى عند الاهتمام المشترك بالحياة و الوجود و كذلك بالتعليم والمعرفة، و لذلك كان للفلسفة و الفلاسفة أهمية فائقة في الثقافات الشرقية كافة. و من الضروري لفهم حياة الشعوب الشرقية ومواقفها من فهم فلسفاتها، 1) جون كولر - تلفكر الشرقي القديم، أ- الألوهية: الذي يبدأ بعبادة الماديات، ثم ينتقل إلى عبادة الروحانيات، كما يبدأ بالإيمان بتعدد الآلهة، ثم ينتقل إلى الإيمان بفكرة الإله الواحد الأحد، بادئ الأمر، بعدما رأوا أن هذه الآلهة، والمرض. (لاحظ أن ثمة ظاهرتين طبيعيتين أثرتا تأثيراً عميقاً في ديانة المصريين القدامى: وجود نهر النيل من ناحية: الإله أوزريس والشمس الساطعة من ناحية أخري: الإله رع أو حورس). والتي لا تصل إليها سوي نواظرهم في بعض الأوقات، علها تشفع لهم عند الآلهة الحقيقية. 7) (من الجدير بالذكر أننا تلحظ في كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية بعض مظاهر الاحترام والتقديس لغير الإله الحقيقي. الأشخاص أو الأولياء، وهكذا، ولتفسير الخلق بمختلف مظاهرة، وأم وابن، إيزيس (Isis) الزوجة، وحورس (Horus) الابن. و أوزريس الذي يأخذ اسم: تموز وأدونيس في لبنان سوريا، فلسطين هو إله الخير والعطاء والتجدد المستمر لأنه إله الماء والزراعة والقوت، وبدونه لا سبيل إلى الحياة علي الأرض ؛ رمز القمر) هي الزوجة الوفية، التي تملك قوة سحرية تمكنها من إحلال العدالة، وإيزيس، 8) أما حورس فهم إله الدفء والحرارة والإله الابن، المتأتي من حصيلة التزاوج بين أوررس وايزيس، وهو رمز التقي البنوي، إله الشر وفقد عينه من جراء ذلك: "عين حورس" (قصة موت أوزريس وبعثه من جديد، تعبر عن الصراع القائم بين (أعوان) الخير والشر وكيف أن الشر ينتصر في بادئ الأمر لكي يسود الخير في نهاية المطاف ؛ فقتلت هذا، في معتقدات المسلمين والمسيحيين مع الفارق في القياس. والمسلمون يؤمنون كذلك بالله، النباتات والأشجار (أبناء). ولعل الذي ساعد على الانتقال من فكرة تعدد الآلهة إلى فكرة الإله الواحد عند المصريين، هو الإله الأكبر، 9) و لما كان المصريون يؤمنون بفكرة الإله الواحد الذي هو مصدر الخلق والحياة بدون أن يهملون الإيمان بآلهة أخرى ثانوية إزاء الإله الأكبر، وبالتالي، فهو الملك الأعلى والحاكم الأوحد الرعية. ولإيجاد الصلة بين الإله الخالق، وبين الملك أو الحاكم الفعلي، يملك باسمه، عام ٣٤٠٠ ق. م، علي توحيد بلاد النيل، أو الوجه القبلي والوجه البحري، في دولة مركزية واحدة. وهكذا نلاحظ انه في أيام المملكة القديمة، التي تمتد من سنة ٢٨٩٥ إلى سنة ٢٣٦٠ ق. م، كانت الدولة موحدة وذات سلطة مركزية قوية، تتناول كل أقاليم أو أقسام مصر الإدارية ؛ ومالك كل شيء . ولا سيما أن مصير الأموات بين يديه، فمن رضي عنه، أو شخصاً واحد فقط جدير بالعبادة والاعتبار، 10) مع الإشارة إلى أنه لم يكن بد من هذا الإيمان القوي، تلك الصروح التي ترمز إلى ترمز إلى البقاء والخلود الفرعوني. إله الشمس (هناك أساطير شعبية كثيرة تخير عن حكم إله الشمس الدنيوي الذي طرد العواصف وحطم الظلم والظلام، ونكران رعاياه البشر لحسن صنيعه، الكهنة - فرعون، قد جعل نفسه موضع عبادة شبه وثنية، وما زلنا نردد عبارته المشهورة: أنا الدولة والدولة أنا التي أطلقها في عصر يعتبر العصر الذهبي للثقافة الفرنسية حيث شهد ظهور أقطاب الفكر الفرنسي الحديث مثل: باسكال (Pascal) وراسين (Racine) وكورني (Cormeille) وموليير (Moliere) . الخ. مع الملاحظة أن عبادة آمون وخصائصه المثالية قد انتقلت من بلاد مصر إلى اليونان وأخذ أمون اسم: زيوس أعظم آلهة اليونانيين، كما اعتبره الرومان سمياً لمعبودهم الأكبر: جوبتر. بيد أن هذه المعتقدات الصارمة المتعلقة بشخص فرعون، لم تقو علي تحمل الصدمات، و استغلال الكهان له، 11) أو فرعون، فكان أن طلب أصغر الناس شأناً، التي كانت تمنحها الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطي، قد أخذ يتهاوى، ليقوم بدلاً منه، وعندما تولى أمنحوتب الرابع المعروف باس: أخناتون، بعد أبيه تحوتمس الثالث وذلك حوالي سنة ۱۳۷۵ ق. م قام بثورة دينية، استهدفت إحلال فكر الوحدانية أو التوحيد الشمسي، أزني أبدي، وقد أمر بأن يعيد هذا الإله الواحد في جميع أرجاء الإمبراطورية المصرية (أسيا وأفريقيا) وعندما اعترض الكهنة من اتباع ديانة أمون - رع على ذلك وأثاروا الاضطرابات العنيف بين أوساط العام 12) ومصادرة أموال وممتلكات المعابد رافضاً بصورة حاسمة طائفة الآلهة المتعددة وأنصاف الآلهة، إلى أخناتون، الذي معناه للمقيد لـ أتون، وبني له عاصمة جديدة في مصر الوسطي سماها أخيتاتون مشرق أتون (ومكانها الآن: بلدة تل العمارنة. كان أخناتون يرفض الاعتراف بفكرة جحيم يثير من الرعب ما لا سبيل إلى التوفي منه إلا برقي سحرية لا تقع تحت الحصر . رمي أخناتون بهذه الرقي جميعا إلى النار وقدم الجن والغيلان والأرواح والمسوخ وأنصاف الآلهة وأوزريس نفسه مع بطانته كلها لقمة سائغة لألسنة اللهب قالت إلى رماد إن الإله الحقيقي لا شكل له. بأن الديانة الموسوية، التي ظهرت في مصر أولاً، هو رب الأرباب وإله وحده أزلي أبدي خالق غير مخلوق " ورمت إلى اقتلاع قلوب المصريين من كل ما يتعلق بعاداتهم الدينية ولا سيما ما يتعلق منها بآمالهم الدينية وما كانوا يرجونه من سعادة في مملكة أوزريس،