الأهمية الإستراتيجية للخليج العربي وتتميز الاهمية من إستراتيجية الموقع الجغرافية ، إذ ان المنطقة تتوسط العالم القديم . مما أدى إلى التنافس الدول الكبرى في سبيل استعمار المنطقة منذ فترة مبكرة من التاريخ ، واحتدام ذلك التنافس الاستعماري وعلى الأخص الاوربي منذ القرن المنطقة بأهمية استراتيجية لكونها تضم أكبر نسبة من احتياط النفط العالمي . أضف إلى ذك ان الدول الصناعية تعتبر منطقة الخليج العربي سوقا مهما لمنتجاتها ، لذا فهم يحصرون جدا ألا يعتري مصالحهم أي تهديد أو اية مخاطر ، وفي 14 شباط عام 1951 كتب السير لاينل هيورت قائل : ( إنني كمعتمد سابق في الخليج ومسؤول عن المصالح البريطانية المؤثرة على المصالح الهندية ، وضياع قواعدنا العسكرية الهائلة في القارة الهندية ، إن سلامة طرق مواصلاتنا وكذلك مستقبل بلادنا الصناعي يتوقفان على مقدرة الدبلوماسية البريطانية على إبقائنا في الخليج العربي ) . والتأكد من وجود احتياطي ضخم فيها ، ثم إنتاجه من بلاده المختلفة بمقادير هائلة في شتى أنحاء العالم . وهذا ما دعا الدول الكبرى إلى السعي بشتى الوسائل لكي يكون لها نفوذ في مقدرات دول الخليج العربي . هذه الإقرارات التي تدل على الأهمية الإستراتيجية للخليج العربي لدى الدول الاستعمارية ، تأتي نتيجة اعتبار هذه المنطقة من العالم المصدر الرئيس الذي يمون أوربا الغربية بالنفط ، وقد بلغت الكميات المنتجة من نفط بلدان الخليج العربي في إحصائية لعام 1968 ( 550 ) مليون طن من مادة النفط أي ما يزيد بحوالي ( 40 ) مليون طن ، عما استخرج على شاطئ المكسيك ، وبحوالي مرتين عنه في منطقة حوض الكاريبي وثلاث مرات عما استخرج في شمال إفريقيا . لهذا فإن منطقة الخليج العربي هذه تسمى ( منطقة الجوف المزدوج ) لأن مياهها وأغوار سواحلها تنبئ ببحر من النفط ، عملاق باتساعه حسبما يقول المستر كيلي الاختصاصي البريطاني في شؤون الخليج العربي في مقال أوردته مجلة الأزمنة الحديثة إذ تقول : ( ان بريطانيا قد حصلت وحدها على ما قرب من مائتي مليون طن من النفط الخام ، كما ان الخليج العربي يعد منطقة الاسترليني الهامة التي تقل منها بريطانيا وحدها أكثر من ألف مليون جنيه ، هي بعض معالم الاستراتيجية البريطانية من منظار بريطانيا ذاتها ، إذ أن لهذه الاستراتيجية بعدا آخرا يكشفه المستر كيلي أيضا إذ يقول : ( إن المحافظة على استمرارية تدفق المدخولات من هذه المنطقة ذات أهمية كبرى ، ليس لبريطانيا وحسب ولكن بالنسبة لجميع الأقطار الغربية ولهذا السبب فإن وجود بريطانيا في منطقة الخليج العربي ضمانة للغرب ) ولمصالح الولايات المتحدة الامريكية كذلك فعلى سبيل المثال إن توقف تدفق النفط العربي في الموانئ العربية على الخليج سيوقف إمدادات نفطية تبلغ 200 ألف برميل في اليوم الواحد للقوات الأمريكية المحاربة في جنوب شرق آسيا . ويجب ان لا ننسى أو يفوتنا الاهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تشكلها الجزر القائمة قبالة مدخل الخليج العربي وهذه الجزر ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ) التي تتمتع بمميزات استراتيجية هامة مما جعل التركيز على احتوائها والسيطرة عليها هدفا سعت اليه قوى عديدة في طليعتها إيران فضلا عن القوى الاستعمارية الاخرى التي قدمت إلى منطقة الخليج العربي . والجزر الثلاث بموقعها واهميتها أشبه بالصمام الذي يشرف على الشريان المائي والملاحي الذي يمثله الخليج العربي . وفي دراسة لخبراء الاقتصاد والسياسة في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في جامعة جورج تاون الامريكية إن 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط تمر من مضيق هرمز بشواطئ الجزر الثلاث ( الطنبتين وأبو موسى ) وهذه النسبة تشكل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعات العالم واقتصاده . تقع هذه الجزيرة عند مدخل الخليج العربي على بعد ما يقارب (160) كم من مضيق هرمز بين إمارة الشارقة وإيران ، وتنتشر فيها بساتين النخيل وهي مشهورة برواسب أوكسيد الحديد الأحمر المستخدم في صناعة الطلاء المانع للصدأ ، وتقع مناجم أوكسيد الحديد الاحمر في الشمال الشرقي من الجزيرة ، وقد تم استغلال هذه المناجم لأول مرة عام 1934 ، ثم أغلقت خلال الحرب العالمية الثانية من عام 1940 وحتى عام 1947 ، إلا أن أهمية الجزيرة بدأت في التزايد مع ظهور النفط فيها ، جزيرة طنب الكبرى : تقع هذه الجزيرة على بعد 31 كم جنوب غرب جزيرة قشم الإيرانية ، وتبعد عن رأس الخيمة حوالي 71 كم ، وكلمة طنب تعني في أصلها ( التل ) فهي جزيرة قليلة الارتفاع دائرية الشكل يتميز سطحها بالاستواء . تقع الجزيرة على بعد 8 اميال إلى الغرب من جزيرة طنب الكبرى مثلثة الشكل ارتفاعها حوالي 35 كم عن سطح البحر ويبلغ طولها ميل واحد ، يظهر على سطحها بعض النباتات ، و هي خالية من السكان والمياه وتكثر فيها الافاعي السامة ، غنية بأوكسيد الحديد الاحمر ، وهي تابعة لإمارة رأس الخيمة التي تبعد عنها حوالي 90 كم ، إن أهمية الجزر الإستراتيجية والاقتصادية هي جزء لا يتجزأ من أهمية الخليج العربي ككل ، منذ القدم وحتى يومنا هذا . كان اقتصاد منطقة الخليج العربي ( عدا العراق ) ، قبل استثمار النفط يتركز بالدرجة الأساس على الغوص على اللؤلؤ ، وصيد السمك والتجارة ومن أجل ذك عدت هذه الأقطار فقيرة في مواردها الاقتصادية ، إذ كان محور اقتصادها هو الانتاج المعاشي الهادف إلى توفير الكفاية الذاتية الغذائية ، التي كان يعجز عن تحقيقها في كثير من الاحيان . وبسبب قسوة البيئة الصحراوية وشحة مواردها اضطر سكان الخليج العربي إلى النزوح صوب البحر الذي أمدهم بما عجزت البيئة الصحراوية القاسية أن توفره لهم . فكان الغوص على اللؤلؤ أهم عمل اقتصادي مارسه أبناء الخليج العربي منذ عصور قديمة ، واستمر كذلك حتى بدايات العقد الثالث من القرن العشرين ، حينما ظهر اللؤلؤ الصناعي الياباني والذي أثر بدوره على كساد تجارة اللؤلؤ الطبيعي في منطقة الخليج العربي مما جعل إمارات المنطقة تمر في فترة من الفقر الشديد حتى بدأ من خلالها كأن الخليج العربي متجه إلى كارثة اقتصادية محققة ، فجاء اكتشاف النفط ليفتح مجالا اقتصاديا ينقذ سكان الخليج العربي من ذلك الفقر المدقع ، بعدما كانت قيمته تصل إلى (8) ملايين روبية ( 600000) جنية استرليني في عام 1950 . تعد المشاكل السياسية المحلية قليلة الأهمية إذا ما قورنت بالمتاعب التي قد تنشأ فيما لو قامت منافسة بين الغواصين العرب وبين الاوربيين المزودين بالوسائل الحديثة الذين – كما قيل – يريدون الصيد في الاعماق البعيدة ، فإن مجرد ظهورهم في الخليج وممارستهم لأعمال الغوص سيولد الكراهية لدى السكان المحليين الذين ينظرون إلى الشطوط كملك خاص ، ومورد وحيد للرزق ، حتى لو كان هذا التدخل من جانب الرعايا البريطانيين أنفسهم . وكان أول مظهر من مظاهر التدخل الاوربي في المنطقة في عام 1857 عندما أبدت شركة واطسون في بومباي رغبتها في الدخول في أعمال صيد اللؤلؤ في الخليج ، وكان رد المقيم السياسي البريطاني جونس حاسما ، إذ قال : ( إن قيام هذه الشركة بالعمل في الخليج سيثير المشاكل والاشتباكات الدموية ) وبناء عليه رفض طلب الشركة . وهو مشروع يهدف إلى استغلال بعض الشطوط بواسطة غواص انكليزي ، ووصل الغواص فعلا إلى بغداد في آيار 1872 لكن المشروع لم ينفذ . كما أبلغ الشركة بأنه لا يوجد شيخ واحد يحبذ إعطاء تصريح من هذا النوع ، ثم أنه ليس من حق الشيخ ولا من سلطته إعطاء تصريح بالصيد ، ونتيجة لذلك تخلت الشركة عن فكرة الصيد التي جاءت لأجلها . وتتالت مطاليب الشركات للحصول على رخصة أو تصريح من الحكومة البريطانية يمكنها من عملية صيد اللؤلؤ لكنها باءت بالفشل ، وبسبب ذلك ظهرت محاولات لأخذ تصريح من الباب العالي خلال عام 1899 لكن الحكومة البريطانية حذرت الباب العالي من العرب الذين يقيمون على سواحل الخليج لهم حقوق مكتسبة في المصايد وإن لهؤلاء علاقة بحكومة الهند ، وقد دعا إلى هذا القرار شعور الحكومة البريطانية بأنها مسؤولة عن حماية شيوخ إمارات الخليج العربي وحماية حقوقهم البحرية . ضغطت الدولة العثمانية على والي البصرة من أجل ان يجمع الضرائب المفروضة على اللؤلؤ في كل قطر والبحرين ، وارسل اثنين من الغواصين الهنود كما أرسل معهم جهازا للغوص ولكن المغامرة فشلت بسبب عدم خبرة الغواصين من جهة ولأن المرشدين من العرب اخذوا القارب إلى مكان مقفر من اللؤلؤ من جهة اخرى ، ورأت حكومة الهند في هذا الامر سابقة خطيرة ، وبناءا على ذلك فإن الكولونيل كمبل المقيم السياسي في بوشهر أعلن بأن أي تصريح يعطى من هذا النوع في المستقبل نبغي أن يحول طلبه إلى المقيم البريطاني للنظر فيه . وفي عام 1903 أثير موضوع الوضع الدولي لمصايد اللؤلؤ عندما بدأ اثنين من الرعايا الفرنسيين المقيمين في البحرين ، الإسهام في عمليات صيد اللؤلؤ هما دوماس وكاستلين ففي 25 مارس من العام نفسه زار دوماس المقيم السياسي البريطاني في بوشهر وأخبره عن سبب الزيارة – الحصول على إذن لصيد اللؤلؤ – فأجابه الأخير بأن أعماله ستكون محفوفة بالمخاطر ، ولكن المسائل التي نجمت عن هذه الزيارة وما أثارته من أمور كانت موضع دراسة ، ففي شباط عام 1905 ، صدر رأي قانوني لمعالجة مشكلة حقوق القبائل العربية والخطوات التي يمكن أن تتخذ لحماية تلك الحقوق ، وقد جاء في المذكرة القانونية أن العرب لهم وحدهم الحق في مصايد اللؤلؤ في حدود الأميال الثلاثة التي تعين مدى المياه الاقليمية كما نص على ذلك القانون الدولي . أثر اللؤلؤ على الأوضاع الاقتصادية في الخليج العربي : كانت القوة الشرائية لدى سكان منطقة الخليج العربي تعتمد كليا على مصايد اللؤلؤ ، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد السفن التي كانت تستخدم في عمليات صيد اللؤلؤ عام 1907 يصل إلى 4750 سفينة كان يعمل عليها 74000 عاملا ، يشكلون 21% من عدد السكان في المنطقة. وكان اقتصاد الخليج العربي يعتمد على ما يحصل عليه السكان من صيد اللؤلؤ بدرجة كبيرة وذك بعد بيعه في الاسواق الخارجية ، أما فيما يتعلق بصيد الأسماك ، وكانت هذه الحرفة قبل اكتشاف النفط مع صيد اللؤلؤ والتجارة عمد الاقتصاد الوطني لإمارات الخليج العربي . ولأهمية صيد السمك الكبيرة في حياة سكان إمارات الخليج العربي نرى إن مراكز الاستقرار الواقعة على سواحلها ، كانت أول نشوئها كنقاط لتجمع السكان لكي ينطلقوا منها ليمارسوا أعمال الصيد . فقد اتجه صيادو الأسماك إلى تطوير وسائل الصيد من سفن وشباك ، كما بدأت دول هذه المنطقة تهتم بصيد الأسماك بشكل منظم وتجاري لغرض تصديره إلى الاسواق الخارجية أو لسد حاجة الاستهلاك المحلي منه . وتعد الكويت أول دولة تهتم بصيد الأسماك بطرق حديثة ومنظمة ففي عام 1959 أنشات شركة الخليج لصيد الأسماك على أساس عملي وتجاري ، كما اشتركت قطر بأسهم مع شركة Ross في تأسيس شركة صيد الاسماك القطرية التي تصيد الروبيان منذ عام 1966 وهي تقوم بتجميده وتصديره إلى الخارج . الدور الجيوسياسي للخليج العربي في الصراع والتنافس الدولي : برزت أهمية الخليج العربي في العلاقات الدولية خلال القرن المنصرم بعد تبلور الصراع التاريخي الطويل بين الدول الاستعمارية الكبرى بهدف السيطرة على اجزائه لأغراض شتى بعضها استراتيجي وآخر اقتصادي ، واذا كانت الإستراتيجية قد تأكدت في محاولات الاستعمار المتكررة ، الحديثة والمعاصرة لربط أقطار هذه المنطقة بسياسته فإن الأغراض الاقتصادية المتعاظمة الأهمية قد برزت عقب اكتشاف النفط ، وبناء القواعد العسكرية تامينا لاستمرار وجودها العسكري فيها ، فقامت بإنشاء قاعدة الجفير البحرية في البحرين عام 1935 ، وقاعدة جوية في إمارة الشارقة عام 1937 وقاعدتين أخريين في صلالة بسلطنة مسقط . لم تختلف الولايات المتحدة الامريكية عن دخول هذا الميدان لاسيما بعد ازدياد حاجتها خلال الحرب العالمية الثانية ، لنقل قوات الحلفاء إلى الشرق الأقصى لمتابعة مع اليابان مما اقتضى إقامة قاعدة كبيرة في منتصف الطريق فكان اختيارها لقاعدة الظهران الجوية ، واذا كانت القواعد العسكرية قد أمنت لهذه الدول النفوذ السياسي والاقتصادي بالنظر لإمكانية الانطلاق منها عند الضرورة لمساعدة الحكومات الصديقة لها ولتأمين مصالحها دون ما حاجة إلى احتلال شامل للمنطقة فإن هذه القواعد من ناحية أخرى قد شكلت بالنسبة لشعب المنطقة . - تهديدا لسلامة الخليج العربي ومساسا بكرامة شعبه ووسيلة لاستمرار استغلاله . - نقطة لضرب الحركات والانتفاضات الوطنية . - نقطة للتحرك ضد الدول العربية المجاورة ومركزا لضرب التيارات في آسيا وإفريقيا . من أهم مناطق القواعد العسكرية في العالم بالنسبة لبريطانيا لاسيما بعد أن فقدت هذه الدولة قواعدها العسكرية في كل من مصر والسودان وليبيا ، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن الخليج العربي يعتبر بعدا استراتيجيا على درجة بالغة من الأهمية . وحيث انه لا يمكن إنكار إن أهمية الخليج العربي قد ازدادت بعد اكتشاف النفط ، إلا أنه لا يمكن أيضا تجاهل العديد من العوامل الاخرى التي ساهمت في زيادة الأهمية السياسية لمنطقة الخليج العربي ولاسيما في فترة بعد الحرب العالمية الثانية ، فالنهوض القومي ( الإيراني والعربي ) ، وطموح شعوب المنطقة إلى التحرر والاستقلال والوحدة القومية العربية قد جعل الدول الاستعمارية وخاصة بريطانية والولايات المتحدة الامريكية تشدد من قبضتها ،