يعني أن الحد من التجريم إجراء ينصب على السلوك بمعزل عن شخصية مرتكبه، جنائيا مع إمكانية استمرار خضوعه لقاعدة قانونية أخرى غير جنائية، تستند إلى اعتبارات من الملاءمة تمليها السياسة الجزائية" . إلا أنه يلاحظ عليه قصره نطاق الحد من التجريم في صورة واحدة وهي إلغاء نص التجريم برمته وذلك حينما قال "إلغاء الوجود القانوني للقاعدة الجنائية، أو قصر نطاق التجريم على فئة من الأشخاص بعدما كان التجريم يشمل كافة الأشخاص. ومن خلال ما سبق يمكن الاعتماد على التعريف السابق مع بعض الإضافة وذلك كالتالي: "الحد من التجريم هو إجراء تشريعي ذو طابع موضوعي، أي بنزع الصفة الجرمية للسلوك برمته أو إحدى حالاته وما يقابل ذلك من عقاب جزائي، صور الحد من التجريم وتطبيقاتها في التشريع الجزائري أولا: صور الحد من التجريم. ميزت اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم المنبثقة عن المجلس الأوربي بين نوعين للحد من التجريم الأول قانوني والآخر فعلي. 1- فيمكن أن يظهر من خلال عدم تدخل الجهات المعنية بضبط وملاحقة -2- وقد يظهر ذلك من خلال وقف إجراءات سير الدعوى العمومية، الموضوع سلطة واسعة في تقدير العقوبة، -4- وأخيرا وحسب ما ذهبت إليه اللجنة الأوربية فإنه يمكن أن يتم إلغاء النصوص الجزائية بواسطة المحاكم أو المجالس الدستورية للدولة، وذلك احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات المقرر دستوريا. ويرفض بعض الفقه هذا التقسيم الذي أخذت به اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم، ظرفي للنصوص الجزائية مراعاة لاعتبارات معينة. فتتم عن طريق تعديل الأركان المكونة للجريمة المادية منها أو المعنوية، غير أن نطاق التجريم فيها ينحسر عن بعض عناصر الركن المادي كتطلب عنصر الاعتياد مثلا، للجريمة واستبعاد الصورة غير العمدية. أحدهما مطلق والثاني نسبي ؟ فأما الحد من التجريم المطلق فيتمثل في إلغاء الالتزام المفروض بعمل أو الامتناع عنه، فإن إلغاء تجريمه يجعله مشروعا بالنسبة لباقي الفروع القانونية . أما الحد من التجريم النسبي فهو إلغاء وصف عدم المشروعية الجزائية وإحلال وصف عدم المشروعية القانونية المدنية أو الإدارية أو التأديبية أو المهنية بدلا منه، أن الاعتداء الذي يسببه السلوك محل التجريم ينال من عدة مصالح تختص عدة قواعد قانونية بحمايتها، ويختلف موقف المشرع في الأخذ بأحد الصور أو الأشكال السابقة، ثانيا: تطبيقات الحد من التجريم في التشريع الجزائري. 11 وكانت الاستجابة من خلال اجتماع مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 03 فبراير 2011، والمادتين 26 و 29 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته 13 " وذلك بغرض زرع المزيد من الثقة في نفوس الإطارات والمسيرين العموميين للنهوض بمهامهم في كنف الطمأنينة، القصاص ما تثبته العدالة من جريمة أو جنحة من جرائم وجنح الفساد والمساس وأيضا "للإسهام في حماية المسيرين من الضغوط التي كانوا يتعرضون لها م. وهو في الحقيقة تعديل منطقي كون المادة 119 مكرر كانت تحيل قبل التعديل إلى المادة 119 ق. وتعويضها بالمادة 29 من ق. إلا أن لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بعد الاستماع إلى اقتراحات التعديل البالغة 14 اقتراحا، ذلك من أصيل أعمالها . أما بخصوص تعديل المادتين 26 و 29 من ق. إذ أبقى على تجريم الصورة العمدية للجرائم الواردة بالمادتين، م المتعلقة بجرائم الاختلاس والتبديد وغيرها إضرارا بالمال العام، هذه المشاريع والمؤسسات الاقتصادية من مبادرة أو إقدام على المخاطرة كلما دعت إلى ذلك حاجة أو ضرورة . م. وإن رفعت اللبس عن فعل التبديد باشتراطها ركن العمد، تضييق نطاق التجريم بقصره على الصورة العمدية دون الصورة غير العمدية لذا ولرفع هذا اللبس يُقترح أن تكون الصياغة كالتالي: "يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200. كل موظف عمومي يقوم عمدا بتبديد أو اختلاس أو إتلاف أو احتجاز دون وجه حق أو استعمال غير مشروع لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظيفته أو بسببها". فسياسة الحد من التجريم رغم ما تقدمه من مزايا فإن لها بالمقابل سلبيات عديدة، الانتقادات الموجهة لسياسة الحد من التجريم. أولا: الآثار السلبية للحد من التجريم. أورد الفقه المعارض لسياسة الحد من التجريم بعض الآثار السلبية لهذه تشجيع أفراد المجتمع على إتيانه، ومن جهة أخرى يشير الفقه المعارض إلى أن الحد من التجريم سيؤثر سلبا على احترام وتقدير الأفراد للنظام الجزائي ، ذلك أن إلغاء تجريم فعل معين سيجعل الأفراد يعتقدون بأن المشرع لم يبني تجريمه للفعل سابقا على أسس ومبررات كافية، وعلى العكس يرى هذا الاتجاه المؤيد للحد من التجريم أن الاستمرار بتجريم السلوك الذي فقد ضرورته، فالمجتمع لا يضيره خطأ المشرع في تجريم سلوك ما بقدر ما يضيره التعنت والإصرار على إقرار هذا الخطأ، ومن الآثار السلبية للحد من التجريم احتمال إقدام ضحايا السلوك الذي ألغي تجريمه على الثأر والانتقام، واقتضاء حقوقهم بوسائلهم الخاصة ممن ارتكبوا في حقهم الفعل الذي كان مجرما، ولم يقتص ممن ألحقوا الأذية بحقوقهم وحرياتهم، لكن في الواقع أنه على فرض التسليم بعدم وجود ضحايا في هذه الجرائم بشكل مباشر إلا أن ذلك لا يحول دون استياء أفراد المجتمع من رفع التجريم عن بعض الأفعال، الجماعات الضاغطة دون تبصر منه. ثانيا: صعوبات تطبيق الحد من التجريم. مما قد يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة للحد من التجريم بشكل فعال. قد يشكل إغراء وحافزا لأفراد باقي الدول التي لم تسلك نفس النهج للهجرة والنزوح إلى تلك الدولة، وهذا طمعا في ممارسة ذلك السلوك والتحرر من الحظر المفروض عليه بدولهم الأصلية، إذا تعلق الأمر ببعض المزايا الاقتصادية. فرجال الأعمال وأصحاب المال يسعون إلى توجيه استثماراتهم وأموالهم نحو الدول التي توفر لهم قدرا من الحرية والخصوصية، كما أن هذا النزوح والإقبال سيؤدي إلى ارتفاع معدل ارتكاب السلوك الذي انحسر عنه التجريم من قبل أفراد أجنبيين، ويشير الفقه إلى أن الحد من التجريم لا يعني دائما تغاضي المشرع عن النتائج والتي تبقى موضع قلق واهتمام المجتمع، بل يمكنه العمل على معالجتها وصدها، من خلال اعتماد بدائل وأساليب غير جزائية، تتمثل في انتشار ظاهرة الحماية الذاتية ضد الجرائم الواقعة على الملكية الخاصة والتي تتخذ عدة أشكال كالبوليس الشخصي أو الخاص، والمصارف والمحلات الكبرى والفنادق الفاخرة . 32 حيث يلجأ الأفراد إلى حماية ممتلكاتهم الخاصة من الاعتداءات التي خرجت من نطاق التجريم، الدولة التي تتبع سياسة الحد من التجريم. من الإجراءات التي تستأثر بها الدولة نظرا لكونها تمس بالحريات الفردية. فبالنسبة لنظام تسليم المجرمين فإن الإشكال يثور في حال عدم وجود اتفاقية تربط بين دولتين، وبالتالي فإنه يصعب على الدولة التي لم تلغي تجريم السلوك المطالبة باستلام الشخص الذي ارتكب هذا السلوك على إقليمها ثم فر هاربا إلى الدولة التي ألغت تجريمه، إزدواجية التجريم في البلدين . لن يكون بمقدورها المطالبة أيضا باستلام رعاياها ممن اقترفوا الفعل داخل إقليم الدولة التي ألغت تجريم الفعل، وذلك استنادا لنفس الأسباب الموضحة سابقا؛ كجرائم حيازة العملة الأجنبية وتداولها وإخراجها خارج حدود الدولة، وهذه كلها أفعال لم تعد محلا للتجريم في معظم النظم العقابية ، وحتى في حالة وجود المعاهدة وكانت هذه الدولة تعتبر المعاهدة في مرتبة مساوية أو أدنى من مرتبة قانونها الداخلي،