تَجَمَّعَ الأَحْفَادُ الثَّلَاثَةُ حَوْلَ جَدَّتِهِم، وَهُمْ يَتَصَايَحُونُ : «نُرِيدُ قِصَّةً لِتَنامَ، وَزَمَّتْ عَيْنَيْهَا، كُلَّمَا بَدَأَتْ بِقِصَّةٍ، إِلَى قِصَّةٍ ثَانِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. في الغالب، مُسْتَوْحِيَةً تَصَرُّفَاتِهِم وَالمُناسَباتِ الْآنِيَّةَ، أَمَّا الْيَوْمَ، فَتَشْعُرُ وَكَأَنَّ يَنْبُوعَ عَطَائِها القَصَصِيِّ قَدْ نَضَبَ. فَمَا الحِيلَةِ؟ وَتَظَلُّ الْأَعْيُنُ السِّتُ شاخِصَةً إِلَيْهَا، تَحْفِرُهَا وَتَسْتَحِبُّ ذَاكِرَتَها، فَتَبْتَسِمُ لِلصَّغَارِ المُنْتَظِرِينَ بِشَوْقٍ، إِنَّهَا قِصَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ، تَحْكِي عَنْ زَوْجَيْنِ طَيِّبَيْنِ وَغَنِيَّيْنِ عاشا في بِلادٍ بَعِيدَةٍ، وَلَمْ يُرْزَقًا وَلَدًا. فَكَانَا يُصَلِّيَانِ إلى الله، فَوُلِدَ لَهُما صَبِيٌّ ، في الذكرى الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لِمَوْلِدِ الصَّبِيِّ، وَكَانَ الأَطْفَالِ، وَرَفَرَفَتِ السَّعادَةُ عَلى الجميع. - وَأَنْتَ يا حبيبي، سَأَلَ الرَّجُلُ ابْنَهُ صَاحِبَ الفور : إِلَى رِحْلَةٍ مُتَمَهِّلَةٍ، تَحْمِلُنِي مَعَكُما، أَنْتَ وَأُمِّي، فَنَسِيحَ في كُلِّ مَكَانٍ، باشَرَ الْأَبُ إِجْرَاءَ المُعامَلاتِ اللَّازِمَةِ لِهَذِهِ الرَّحْلَةِ، وَبِهَذِهِ الحَرارَةِ، فَلَيسَ أَحَبَّ عَلَى وَبِالسُّرْعَةِ القُصْوى! بَعْدَ أَقَلَّ مِنْ أُسْبُوعِ، أُنْجِزَتِ المُعَامَلاتُ، وَأَبْحَرَ المَرْكَبُ بِالْأَسْرَةِ الصَّغِيرَةِ إِلَى أُوروبا. وَبَعْدَ أَيَّامٍ وأَيَّامٍ، هنا، ذلِكَ الزَّمانِ . ثُمَّ أَكْمَلَتْ قِصَّتَها قَائِلَةً : « عِنْدَمَا وَطِئَتْ أَقْدَامُهُمُ الْأَرْضَ، سارَ الزَّوْجَانِ بِهِمَّةِ الشَّبَابِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ بَيْنَهُمَا، يَبْدُو وَكَأَنَّهُ حَفِيدٌ لَا ابْنٌ ! شَهْرًا بِكَامِلِهِ تَنَقَّلَ الثَّلَاثَةُ السُّعَدَاءُ فِي أَرْجَاءِ أُوروبا، وَمِنْ مَرْكَزِ سِياحِي إِلَى إِلى مُنْتَرَةٍ، حُمَّى عَالِيَة. جُنَّ جُنُونُ الأَبَوَيْنِ. - ماتَ ؟ شَهَقَ الثَّلاثَةُ الصِّغَارُ مَعًا، أَيُّهَا الأَحِبَّاء، لِأَنَّ الحَياةَ فِيهَا الفَرَحُ وَالحُزْنُ، وَفِيها السَّعادَةُ وَالتَّعَاسَةُ، وَنِهَايَتُها دَائِمًا المَوْتُ. وَهَكَذَا، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحاها، عَجُوزَيْنِ مُحَطَّمَيْنِ، وَرَجَاءٍ، حَدَثَ لَهُما شَيْءٌ غَرِيبٌ. فَقَدْ ظَهَرَ لَهُ طَيْفُ ابْنِهِ يَقْتَرِبُ مِنْهُ، يُخاطِبُهُ بِلَهْجَتِهِ الرَّقيقة : لا يا أبي عَهْدِي بِكَ مُؤْمِنٌ، وَتُدْرِكُ أَنَّ اللَّه حِكْمَةً فِي كُلِّ مَا يُصَادِفُنَا نَحْنُ البَشَر . وَسَأَلَهُ أَبُوهُ فِي الحُلُمِ) بِلَهْفَة : وماذا تُرِيدُنِي أَنْ أَفْعَلَ يَا وَلَدي؟ أَجَابَهُ ابْنُهُ بِصَوْتِهِ الرَّقِيقِ الواضح شَيْدُ في مَدِينَتِنا جَامِعَةً عَلَى اسْمِي، وَأَنْفِقُ عَلَيْهَا بِسَحَاءٍ، لِأَنَّنِي سَأَعُودُ إِلَى مِنْ خِلالِ هَذِهِ الجَامِعَةِ، وَراحَةُ النَّفْسِ وَالعَزاء. اسْتَفاقَ الرَّجُلُ، وَمَا تَزالُ كَلِمَاتُ ابْنِهِ الشَّبيهَةُ بِالرُّؤْيا»، تَرِنُّ فِي أُذُنَيْهِ. انزاحَ جُزْنِيًّا عَنْ صَدْرِهِ! أَيْقَظَ زَوْجَتَهُ. وَفِي اليَوْمِ التَّالِي ، شَدَّا الرِّحَالَ عَائِدَيْنِ إِلَى وَطَنِهِما، وباشرا على الفَوْرِ،