الأصل أن تخرج الزكاة عن الأموال النامية، وباعتبار هذين النوعين قَسَّمت هذا المبحث إلى المطالب الستة الآتية: المطلب الأول: مال الدين. المطلب الثاني: مال التملك والتجارة. المطلب الثالث: أموال خاصة بالأسرة. المطلب الخامس: أموال وقف وخير . المطلب السادس: أحكام مهمة في مسائل عامة. المطلب الأول: مال الدّين المسألة الأولى: أنواع المدينين: (المَدين) إما أن يكون مُعْسرا أو نحوه (كالمماطل أو لجاحد) وعنده ينقطع الرجاء فيه (٢)، وهو مَنْ بالدّين معترف وينتظر الأداء في المدة التي لم تحن بعد، أي قادر على الوفاء متى طلب منه الدين حتى ولو قبل وقت الأداء (٣). وعليه فإن المُعْبير لا نحوه: لا زكاة عليه، أما المدين المُوسر فعليه أن يُزَكّي ماله الذي ستدانه من غيره إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول وهو في يده ولم يؤده إلى الدائن؛ لأنه ملكه بالاستقراض ملكا تاما (٤). وهناك أقوال أخرى في المسألة (٥). المسألة الثانية: هل يُزَكِّي صاحب الدِّين، صاحب الدِّين (الدائن) لا يزكيه حتى يقبضه، وهنا قولان ذكرهما شيخ الإسلام ابن تيمية (٦): إذا قبضه وحال عليه الحول زكاه. الثاني: أن يزكيه مرة واحدة عند قبضه، ومن أهل العلم من فَرَّق بين نَوْعي الدين، فإذا كان الدّين يُرْتجى قبضه زَكَّى الدائن عن والراجح في مسألة الدّين: أن صاحب المال الذي أقْرض لا يخرج زكاة الدَّين الذي أقرض حتى يقبضه، قالت عائشة - رضي اللّٰه عنها - "ليس في الدّين زكاة حتى يقبضه" (٢). فقد روى عبد اللّٰه بن أحمد عن أبيه بسنده أن ابن عمر ه كان لا يرى في الدَيْن زكاة حتى يقبضه صاحبه. وروى أيضا بسنده إلى عائشة - رضي اللّٰه عنها - قالت: ليس في الدَّيْن زكاة حتى يقبضه" (٣). "لا زكاة على الدين حتى يقبض" (٤). وهو مروي أيضا عن عطاء وسعيد بن المسيب وأبي الزناد (٦). لكن هل يزكيه مرة واحدة عند القبض أم إذا حال على المقبوض حولّ كامل، وهذا القول هو المتفق مع مقاصد الشريعة، لمعاصرين كالدكتور الزرقا (٨). المسألة الثالثة: اسقاط دَيْن المُغسر من الزكاة، يجوز للدائن إسقاط دين المدين (المُعْسير طبعا) من الزكاة؟ والجواب: "لا يجوز ؛ كما قال اللّٰه سبحانه (وَأَقِيمُواْ الصَّلَوْةَ وَءَاتُواْ الَّزْكَوْةَ وَآرْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (٣) [البقرة: ٤٣]، وإسقاط الدين عن المُعْسِر: ليس إيتاء ولا إعطاء، وبالتالي لم تؤد زكاتك عن مالك، بل بقت هذه الزكاة عندك لم تخرجها، ولأنه قصد من وراء ذلك وقاية المال لا مواساة الفقير" (١). المسألة الرابعة: زكاة الديون المباعة، وهذه إحدى النوازل المعاصرة التي لم تك موجودة قبل، فقد ظهرت بين التّجار ظاهرة (بيع الديون)، وهي: أن تتتقل من دائن إلى دائن، وهي بهذا الاعتبار بيع الدين لغير من هو عليه، وأحيانا يتم هذا البيع نظير خفض قيمته ليأس الدائن من أخذه من المَدِين!! وذلك كله غير جائز عند كثير من الفقهاء، والكسب بهذا لا يخلو من خبث، ومع هذا فإن الزكاة واجبة على هذا الدَّيْن مع ما يلابس هذه الصورة من حرام، وإيجاب الزكاة على هذه الصورة وأمثالها؛ لأننا لو أعفينا هذه الأموال من الزكاة لما يلابسها من محرم لأقبل الناس على شرائها، ولأدى ذلك إلى الإمعان في التعامل بها، فيكون ذلك مشجعا على المحرم ولا يكون قطعا له، وهذا أيضا مؤسس على قاعدة معمول بها عند الفقهاء، وهي أن صرف الكسب اخبيث في الصدقات غير ممنوع . المسألة الخامسة: كيف يزكي من عليه دَيْن؟ الحق أن يخصم الدين من جملة ماله ثم يزكي على الباقي إن بلغ النصاب وحال عليه الحول، يؤيده ما قاله عبد اللّٰه بن أحمد: سألت أبي قالت: هل تجب عليه زكاة في مال عنده وعليه دَيْن أكثر من ذلك المال الذي عنده؟ فقال أبي: إذا وجبت عليه الزكاة نظر ما كان عليه من الدين فرفعه ثم زَكَّى بقية ماله (٣). ويؤكد هذا المعنى أيضا ويؤكده ما قاله عبد اللّٰه بن أحمد: سألت أبي عن الرجل يكون له ألف دينار وعليه ألف دينار؟ قال الإمام أحمد: ليس عليه زكاة (٤). المطلب الثاني: مال التملك والتجارةِ. وتكثر المسائل والأحكام في هذا المطلب، المسألة الأولى: التاجر المدير (زكاة المال المتنامي) وهو المال الذي يستفيده التاجر أثناء السنة نظرا لتجارته، ومذهب ابن عباس فيه "يزكيه يوم يستفيده" رواه ابن حبان عن عكرمة عن ابن عباس، وذكره عبد الرزاق وغيره عن هشام بن حسان، ورواه حَمَاد بن سلمة عن قتادة عن جابر بن زيد عن عبد اللّٰه بن عباس مثله (١). ويمكن أن نتصور المسألة - كما ذكرها شيخ الإسلام (٢)- أن التاجر المدير هو "الذي يبيع السلع أثناء الحول (٣)، وعندها يكون عندنا أصل المال وعندنا ربحه، وهذا يدخل شيئا بعد شيء أثناء السنة، وهنا تكون الزكاة على الأصل وربحه، قال مالك - رحمه اللّٰه - : "كل فائدة تكون من أصل المال ونمائه فإنه يضمها إلى أصل مال التجارة، وهذا قياسا على المواشي إذا توالدت قبل الحول ثم حال الحول: ضم الأولاد إلى الأمهات وزكاهما جميعا؛ اتباعا لحديث عمر ن أنه قال: "عُدَّ عليهم السخلة [وهي: ما ولد من ولد الضأن والمعز ذكرا كان أو أنثى (°) ولو أتى بها الراعي يحملها على يديه" (٥). والصورة الصحيحة لزكاة التاجر المدير: وهو الذي يبيع ويشتري ولا ينتظر وقتا ولا ينضبط له حول كأهل الأسواق: فيجعل لنفسه شهرا في السنة، ويَضُمه إلى العين، ويؤدي زكاة ذلك إن بلغ نصابا بعد إسقاط الدين إن كان عليه. أما من يشتري السِّلع وينتظر بها الغلاء: فلا زكاة عليه فيها حتى يبيعها، فإن باعها بعد حول أو أحوال: زكى الثمن لسنة واحدة . وهنا مجمل طيب في صور المسألة، ذلك أن المال المستفاد أثناء الحول على ثلاثة هي (١): ١- إذا كان المال المستفاد من ربح المال الذي عنده (من جنسه) كربح مال التجارة ونتاج الماشية: فهذا يجب ضَمُّه إلى أصله، فيعتبر حوله بحول الأصل. ٢- إذا كان المال المستفاد من غير جنس المال الذي عنده، وليس متعلقا بحول المال الأصلي. ٣- إذا كان المال المستفاد من جنس المال الذي عنده - الذي بلغ النصاب - لكن ليس هذا المال المستفاد من نماء المال الأول، فهنا مذهبان: الأول: أن يضم المستفاد إلى المال الأول في النصاب وليس في الحول، فيزكي كلا منهما باعتبار حوله الخاص (وهو مذهب الشافعية والحنابلة). المسألة الثانية: مسألة المتربص، وهو من أقامت السِّلع ونحوها عنده حتى تمر السنين، فمذهب مالك - رحمه اللّٰه - أنه لا زكاة عليه، وحجته أن الزكاة شرعت في الأموال النامية، فإذا زكى السلعة كل عام - وقد تكون كاسدة - قصت عن شرائها فيتضرر، فإذا زكيت عند البيع، ولا يزكي حتى يبيع بنصاب، لمسالة الثالثة: المُعَدّ للبيع لكن لم يُبَع. الأعيان (عقارات - أراضٍ . المحبوسة مملوكة أو مهداة لكن لم تبع، وهذه الزكاة لسنة واحدة، وهو مذهب مالك بخلاف غيره (٣)، ويُبَيِّن السبب ابنبشير المالكي بقوله "فإن أقامت عروض الاحتكار أحوالا (يقصد الأعيان من العقارات والبضائع وما يحتكره التجار أعواما ينتظرون بيعه): لم تجب عليه إلا زكاة سنة واحدة؛ لأن الزكاة متعلقة بالنَّماء أو بالعين لا بالعُروض، (١) وهو ما مال إليه ابن تيمية (٢)، وهو ما أفتى به بعض الفقهاء المعاصرين كالعلامة مصطفى الزرقا (٣) - وقد أشرت إلى ذلك آنفا. وعليه، من مَلَك أرضا - وهو ليس بتاجر أراضي أو عقارات - ويريد بيعها، لكن لم يأت زُيُون مناسب لشرائها، إلا زكاة سنة واحدة عند بيعها - كما هو مشهور في مذهب مالك رحمه (°). المسألة الرابعة: المال المُدّخر الصحيح: أن يُزَكّى هذا المال ولو لم يَنمُ بخلاف الأرض والعقارات ونحوها، فإن الزكاة نجب في قيمتها إذا أُعِدَّت للتجارة، لا تجب الزكاة في عينها، لكن تجب الزكاة في قيمتها عند البيع، ذلك أن النِّصاب إنما يُعْتبر بالدنانير والدراهم (٢). لمسألة الخامسة: المال المشترك، وذلك كأن يشترك اثنان أو جماعة في شراكة،