المرأة ركن ركين من أركان المجتمع، والزوجة التى لها الحق على زوجها من حسن العشرة والمعاملة الطيبة، فقد ربط الله بينهما برباط عميق من المودة والرحمة هو أوثق من رابطة العقد القانوني، الذي يلزمه نحوها بواجبات مالية أو حقوق مادية. وحين ينظر الزوج إلى زوجته بهذا المنظور الإسلامى الرائع الجميل، انتزاعًا للحياة من جسمي الزوج والزوجة على السواء. وللمرأة العديد من الحقوق فى الإسلام، أن يختار لها وليها من يصلح ووقف صحة النكاح عليه جعل أيضًا شروطًا للوليِّ بحيث لا تُظلم الفتاة إن كان وليها غير مؤهل لِهَذِه المهمة، قال الغزالى( ): "والاحتياط فى حقها أهم؛ لأنَّها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال، وإن أبغضها لم يظلمها. وقالت عائشة( ): "النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته". وقال الفضيل بن عياض( ): "من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها". وقال ابن تيمية: "ومن كان مُصرًّا على الفسوق لا ينبغى أن يزوج". قال السرخسى( ): "وإذا زوج وليان مستويان امرأة من اثنين بعد إذنِهَا لهما وكانا أحدهما لغير كفء والآخر للكفء فإنَّها تكون للكفء". قال عمر: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم؛ فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن. وقال فى سبل السلام( ): عند تفسيره لحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِـي S( ): «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا». ويثبت مثل هذا الحكم للمرأة فإنَّها تنظر إلى خاطبها فإنه يعجبها منه ما يعجبه منها كذا قيل، ولم يرد به حديث. كما أن الإسلام قصر الزواج على أربع نسوة للرجل، فقد جعل من حق المرأة أو وليها أن يشترط ألا يتزوج الرجل عليها، فلو شرطت الزوجة فى عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط، ولزم وكان لها حق فسخ الزواج إذا لم يف لها بالشرط، ولا يسقط حقها فى الفسخ إلا إذا أسقطته ورضيت بمخالفته. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد ورجحه ابن تيمية وابن القيم إذا الشروط فى الزواج أكبر خطرًا منها فى البيوع والإجارة ونحوهما، فلهذا يكون الوفاء بما التزم منها أوجب وآكد. واستدلوا لمذهبهم هذا بما يأتى: أن الرسول S قال( ): «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ». وفى رواية البخارى: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ قال ابن القيم: فتضمن هذا الحكم أمورًا: أن الرجل إذا اشترط لزوجته أن لا يتزوج عليها لزمه الوفاء بالشرط ومتى تزوج فلها الفسخ، حيث أن رسول الله S أخبر أن ذلك يؤذى فاطمة ويريبها وأنه يؤذيه S ويربيه. ومعلوم قطعًا أنه S إنما زوجه فاطمة على ألا يؤذيها ولا يريبها ولا يؤذى أباها S ولا يريبه وإن لم يكن هنا مشروط فى صُلب العقد فإنه من المعلوم بالضرورة أنه إنما دخل عليه. وفى ذكره S صهره الآخر وثنائه بأنه حدثه فصدقه ووعده فوفى له تعريض بعلى وتهييج له على الاقتداء به؛ فهيجه على الوفاء، فيوخذ من هذا أن المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا وأن عدمه يملك الفسخ لمشترطه فلو فرض من عادة قوم أنَّهم لا يخرجون نساءهم من ديارهم ولا يمكنون الزوج من ذلك البتة واستمرت عادتُهُم بذلك كان كالمشروط لفظًا وهو مطرد على قواعد أهل المدينة. أو عجينه إلى خباز، أو دخل الحمام واستخدم من يغسله ممن عادته أن يغسل بالأجرة ونحو ذلك، وعلى هذا فسيدة نساء العالمين وابنة سيد ولد آدم أجمعين أحق النساء بِهَذا فلو شرطه علي فى صُلب العقد كان تأكيدًا لا تأسيسًا. المهر من حسن رعاية الإسلام للمرأة واحترامه لها أن أعطاها حقها فى التملك إذ كانت فى الجاهلية مهضومة الحق مهبطة الجناح؛ فكان أن رفع الإسلام عنها هذا الإصر وفرض لها المهر وجعله حقًّا لها على الرجل وليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئًا منها إلا فى حال الرضا والاختيار، قال تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}[النساء4] وآتوا النساء مهورهن عطاء مفروضًا لا يقابله عوض فإن أُعْطين شيئًا من المهر بعد ما معكن من غير إكراه ولا حياء ولا خديعة فخذوه سائغًا لا غصة فيه ولا إثم معه. فإذا أعطت الزوجة شيئًا من مالها حياء أو خوفًا أو خديعة فلا يحل أخذه قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء20] وهذا المهر المفروض للمرأة كما أنه يحقق هذا المعنى فهو يطيب نفس المرأة ويرضيها بقوامة الرجل عليها. [النساء34] مع ما يضاف إلى ذلك من توثيق الصلات وإيجاد أسباب المودة والرحمة. النفقة والمعروف: المتعارف فى عرف الشارع من غير تفريط ولا إفراط. وقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم. وقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}[الطلاق7] وعن جابر بن عبد الله قال( ): إن رسول الله S قال فى حجة الوداع( ): «. اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ( ): قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ S: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا قَالَ: «خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ». وعن مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ( ): قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ». حُسْنُ المُعَاشَرَةِ ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، وقد كان الرسول S يتلطف مع عائشة فيسابقها، تقول: إنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِـي S فِي سَفَرٍ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ( ): «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ». وقال S( ): «. كُلَّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَةَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ. ومن إكرامها أن يرفعها إلى مستواه وأن يتجنب أذاها حتى ولو بالكلمة النابية، يقول S( ): «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» وفى هذا إشارة إلى أن خلق المرأة عوج طبيعي وأن محاولة إصلاحه غير ممكنة وأنه كالضلع المعوج المتقوس الذى لا يقبل التقويم. ومع ذلك فلابد من مصاحبتها على ما هى عليه ومعاملتها كأحسن ما تكون المعاملة وذلك لا يمنع من تأديبها وإرشادها إلى الصواب إذا اعوجت فى أي أمر من الأمور. يجب على الزوج أن يصون زوجته ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويثلم عرضها ويمتهن كرامتها ويعرض سمعتها لقالة السوء، وتلك الغيرة التى يحبها الله. ». وقال S أيضًا( ): «ثَلاثةٌ لا يَدْخُلُون الجَنَّةَ أبدًا: الدَيْوُثُ. فلا يبالغ فى إساءة الظن بِهَا ولا يسرف فى تقصي كل حركاتِهَا وسكناتِهَا ولا يحص جميع عيوبِهَا فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ويقطع ما أمر الله به أن يوصل. وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S( ): «إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ . وقال على: لا تكثر الغيرة على أهلك فترامى بالسوء من أجلك. وأن لا يُلجئها إلى الانحراف أو الانزواء فى متاهات الرذيلة؛ فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ( ): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». قال ابن حزم: وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التى هى زوجته فأدنى ذلك مرة فى كل طهر إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى، قال تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عُذْرٌ، لأنه حق له فلا يجب عليه كسائر الحقوق، لأن الله قدره فى حق المُولى بِهَذِه المدة فكذلك فى حق غيره. وإذا سافر عن امرأته فإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع؛ فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر، لحرك من هذا السرير جوانبه وأكرم بعلى أن توطا مراكبه تطاول هذا الليل واسوَدَّ جانبه ولكن ربى والحياء يكُفنى زوجها غائب فى سبيل الله فأرسل إليها تكون معه وبعث إلى زوجها فأقفله، ثم دخل على حفصة فقال: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال: لولا أنى أريد النظر للمسلمين ماسألتك، قالت: خمسة أشهر. ستة أشهر، يسيرون شهرًا ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون راجعين شهرًا. وقال الغزالى: وينبغى أن يأتيها فى كل أربع ليال مرة، لأن عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد، نعم ينبغى أن يزيد أو ينقص حسب حاجتها فى التحصين فإن تحصينها واجب عليه وإن كان لا تثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة والوفاء بِهَا. فجعلت تكرر هذا القول ويكرر عليها الجواب. فاقضى القضا كعب ولا تروه