فقد رواها الشيخان ومسلم والبخاري وأثبتاها في صحيحيهما. كان لسلمة بن الأكوع في مكة أموالٌ وعقارٌ؛ فاعتنق الإسلام وهاجر إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعمل في المدينة سائسًا لفرس طلحة بن عبيد الله لقاء طعامه فما كان يريد من الدنيا غير لقيمات يقمن صلبه ويستعين بها على طاعة الله والجهاد في سبيله. فإليك شيئًا منها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف وخمسمائة من أصحابه؛ فلما بلغ قريشًا نبأُ خروجه؛ فنزل عليه السلام بمن معه في الحديبية، وأوفد عثمان بن عفان إلى مكة سفيرًا بينه وبين قريش لكن الأخبار ما لبثت أن جاءت بأن قُرَيشًا قتلت عثمان، فَعَزَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم على حربهم، قال سلمة بن الأكوع: فقلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، فقلتُ: قد بايعتك يارسول الله في أول الناس وفي وسطهم، قال: وأيضًا، فبايعته الثالثة. ثم نظر إلى يدي وقال: أين الترس الذي أعطيتك؟ فقلت: يا رسول الله لقيني عمي عامر فوجدته أعزل فأعطيته إياه فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال سلمة: ثم إن المشركين راسلونا بالصلح فاصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض، فأتيت شجرة وكنست ما تحتها من شوك واضجعت في ظلها وما هو إلا قليل حتى أتاني أربعة من المشركين فعلقوا أسلحتهم على الشجرة واضجعو قريبًا مني وجعلوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم وتحولت عنهم خوفًا من أن أستثار فأبدؤهم بقتال وبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للْمهاجرين لقد قتل المشركون ابن زنيم، فامتشقت السيف في يميني ووثبت على أسلحتهم فجعلتها حزمةً في يساري وشددت عليهم قبل أن ينهضوا كل ذلك في طرفة عين ثم بادرتهم قائلًا: والذي أكرم وجه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرفع أحدٌ منكم رأسه إلا ضربت عنقه، ثم أوثقتهم وقرنت بعضهم إلى بعض وجئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما إن استقر بها قليلًا حتى أمر غلامه رباحًا أن يخرج بإبله ليرعاها في البادية، فعزم سلمة على أن يخرج معه ليرعى فرس طلحة بن عبيد الله أيضًا، توشح سلمة بن الأكوع قوسه وحمل نباله وانطلق هو وصاحبه حتى بلغ مكانًا شمالي المدينة يقال له الغار فأراح فيه سوائمهما (إبلهما) وباتا هناك ليلتهما وفي الهزيع (الثلث) الأخير من الليل أستيقظا على كتيبة من فرسان غطفان عدتها أربعين فارسًا أغارت على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستاقتها وقتلت ولدًا لأبي ذر الغفاري كان عند الإبل، ثم ارتقيت أكمة فوق ثنية الوداع، واستقبلت المدينة وناديت بأعلى صوتي وا صباحاه ثلاثًا، ثم خرجت أعدو في إثرِ القوم حتى غدوت غير بعيد منهم فوترت قوسي ورميت واحدًا منهم بسهم فاستقر في كتفه، خذه وأنا ابن الأكوعِ . وجعلت أرميه فيرتد عني ثم مازلت أطردهم حتى دخلو في طريقٍ ضيق يكنفه (يحيط به) جبلا، ن فتسلقت أحدهما وجعلت أهيلُ عليهم الحجارة من أعلاه فتتساقط فوقهم وبين أيديهم وأرجلهم، ثم مافئت أتبعهم حتى لم يبقى شيءٌ من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلو بيني وبينه وجعلته ورائي فكانو كلما طرحو شيئًا جعلت عليه علامة من الحجارة حتى يهتدي له رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفته ورائي ثم أدركهم وأدركني الإعياء فجلسوا يستريحون ويتغدون وجلست على رأس جبلٍ غير بعيد عنهم أنظر إليهم وأرقبهم وفيما هم كذلك أتاهم رجل من قومهم ونظر إلى ما حل بهم فقال: ما هذا الذي أرى! فأشاروا إليَ وقالوا: لقينا من شؤم هذا الرجل ما لقينا فَوَالله ما فارقنا منذ الغلس (ظُلمة آخر اللَّيل إذا اختلطَتْ بضَوء الصّباح) وهو يرمينا حتى انتزع منا كل شيءٍ في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، فلما اقتربوا مني بحيث يسمعون كلامي قلت لهم: هل تعرفونني؟ قالوا: لا ومن أنت قلت: أنا سلمة بن الأكوع، لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته ولا يطلبني رجلٌ منكم فيدركني. فقال أحدهم: أنا أظن ذلك، ثم رجعوا عني.