وَلْنُلَخْصِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَسَالِكَ : المَسْلَكُ الأَوَّلُ: الاسْتِدْلَالُ بِمَا نَصَبَهُ مِنَ الْآيَاتِ أنواع وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ إِلَى قَوْلِهِ : لَآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: ١٦٤] . وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي القُرْآنِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى المَوْجُودَاتِ فَهُوَ يُفِيدُ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ : ثُمَّ إِنَّكُم بَعدَ ذَلِكَ لميتُونَ ﴾ [المؤمنون: (۱٥ ، وَسَرَيَانَ الغِذَاءِ إِلَى كُلِّ عُضْوِ عَلَى قَدَرِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ الله عَلَى هَذَا المَعْنَى فِي قَوْلِهِ: وَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءِ فَكُلُّ شَيْءٍ تَرَاهُ أَوْ تَسْمَعُ بِهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ مُسْتَقِلْ بِالدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ ، وَلِلسَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ سُؤَالَاتٍ: السُّؤَالُ الأَوَّلُ: إِنْ قِيلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ المَوْجُودَاتِ وَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مُحْدِثِهَا . قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَتَرَ الْأَرْضَ هَا مِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الله السُّؤَالُ الثَّانِي: إِنْ قِيلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّنَائِعَ تَفْتَقِرُ إِلَى فَإِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ بِنَفْسِكَ قَبْلَ وُجُودِهَا ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ صَائِعَهَا ؟! وَفِي هَذَا المَعْنَى قَالَ اللهُ تَعَالَى: الوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّنَائِعَ عَلَى قِسْمَيْنِ : مِنْهَا مَا يَقْدِرُ البَشَرُ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ القِسْمُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى صَانِعِهِ وَلَابُدَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ السُّؤَالُ الثَّالِثُ : إِنْ قِيلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ خَالِقَ المَوْجُودَاتِ فَالجَوَابُ أَنَّ مَخْلُوقَاتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ، إِلَى قَوْلِهِ : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ اعْلَمْ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، وَظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمُ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ البَشَرُ عَلَى مِثْلِهَا: كَإِخْرَاجِ النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمِنْهُم مَّنْ ل وَقَدْ نَبَّهَ الله عَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ الله وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَبُ مَدْيَنَ وَكُذِبَ مُوسَى فَأَمَلَيْتُ لِلْكَفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نكير ﴾ [الحج: ٤٢ - ٤٤] ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا المَسْلَكِ إِيمَانُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ بِاللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ تَقُومُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الشَّرِيعَةَ ؟ الوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّا سَنْقِيمُ الدَّلِيلَ القَاطِعَ عَلَى صِدْقِ الشَّارِعِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَإِلَى هَذَا المَعْنَى الإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّنَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: وَلِأَجْلِ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ قَالَتِ الرُّسُلُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ - لِقَوْمِهِمْ: لَفِي اللَّهِ شَكٍّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ