القاعدة الأولى: علل الأحكام تطلب من النص ابتداءً،قد مر معنا فيما سبق مسالك طلب العلة، وأن أول تلك المسالك: طلب العلة من النص الشرعي، وعليه ينبغي لمن طلب التماس العلة أن يلتمسها من النص أولاً، فإذا كانت العلة منصوصة وجب الوقوف حيث نص الشارع، وإن لم تكن العلة منصوصة فينظر حينها في الإجماع،قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((والقرآن وسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح، والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة: فتارة يذكر: (لام التعليل) الصريحة، وتارة يذكر: (المفعول لأجله) الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر: (من أجل) الصريحة في التعليل، وتارة يذكر: (الفاء) و(أن) وتارة يذكر: (أداة لعل) المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبه على السبب يذكره صريحاً، وتارة يذكر الأوصاف المشتقة المناسبة لتلك الأحكام ثم يرتبها عليها ترتيب المسببات على أسبابها، وتارة ينكر على من زعم أنه خلق خلقه وشرع دينه عبثاً وسدىً، إلى أن قال: وإذا تأملت الشريعة التي بعث الله بها رسوله حق التأمل وجدتها من أولها إلى آخرها شاهدة بذلك ناطقة به، ووجدت الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة بادياً على صفحاتها، يدعو العقول والألباب إليها))[20].وإذا كانت هناك علتان للحكم إحداهما منصوصة والأخرى مستنبطة،ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، فإن في أحد جناحيه شفاء،فحكم الغمس في الحديث معلل بأن: ((في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء))، فتقدم على العلة المستنبطة بأن: (الذباب لا نفس له سائلة).والأخذ بالعلة المنصوصة هنا يجعل الحكم قاصراً على الذباب، وأما مع العلة المستنبطة فالحكم يُعدى إلى: كل ما لا نفس له سائلة.قال ابن دقيق العيد: ((ورد النص في الذباب فعدوه إلى كل ما لا نفس له سائلة، وفيه نظر لجواز أن تكون العلة في الذباب قاصرة وهي: عموم البلوى به، أو التعليل بأن: في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وهذه منصوصة، فيبعد كون العلة مجرد كونه لا دم له سائل،