إن القراءة المتأنية لتاريخ مهنتي القضاء والمحاماة في مصر تكشف لنا واقع المجتمع القانوني في مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن تجعلنا ندرك المراحل التي مر بها المجتمع القانوني في مصر. و إن قراءة تاريخ تعليم القانون في مصر لا يقل أهمية عن قراءة تاريخ المجتمع القانوني، يدفعنا لأن نضع نصب أعيننا أهمية تطوير تعليم القانون. و لا يمكن أبداً قراءة تاريخ تعليم القانون بمعزل عن قراءة تاريخ المجتمع القانوني في مصر، والذين وضعوا اللبنة الأولى للتعليم بصفة عامة في مصر و التعليم القانوني بصفة خاصة . فقد شهد التعليم في عصر الخديوي إسماعيل نقلة نوعية حيث تم وضع أول نظام تعليم مدني على يد علي باشا مبارك، وذلك بإحياء ديوان المدارس عام 1863. و قد صاحب ذلك ظهور المدارس المتخصصة و العليا مثل مدرسة الحقوق التي أنشئت عام 1868 تحت مسمى مدرسة الإدارة و الألسن ثم سميت مدرسة الحقوق الخديوية العليا عام 1886 . و قد استقبلت مدرسة الحقوق التلاميذ من المدارس الثانوية الحكومية و الأزهرية حتى عام 1893 ، و لقد كان لهذا الجيل الأول الفضل في وضع أسس مهنتي المحاماة و القضاء في مصر ، وهو ما ساهم في نشوء مجتمع قانوني قوي كان له الفضل ليس فقط في تأسيس مهنتي المحاماة و القضاء و لكن امتد أيضاً إلى إنشاء البرلمان المصري ، كما صاحب ذلك إنشاء المحاكم مثل ( محكمة مصر ) و التي كانت قمة الهرم القضائي أنذاك ، و قد صاحب إنشاء دور المحاكم ظهور حركة قوية للترجمة القانونية ، كما كان للبعثات الخارجية التي دشنها محمد علي للدراسة في أوروبا أثر بالغ في نقل العلوم القانونية من وروبا إلى مصر على يد رفاعة الطهطاوي و محمد عبده ثم لاحقاً على يد عبدالرازق السنهوري . ولقد كانت أحكام المحاكم الأجنبية قبل ظهور المحاكم المختلطة تصدر باللغات الأجنبية مثل الإنجليزية أو الفرنسية ، و قد ساهم ذلك في نقل خبرات القضاة الأجانب إلى القضاة المصريين . وقد تم إفتتاح الحاكم المختلطة في 28 يونيو عام 1875 ، و قامت المحاكم المختلطة بتطبيق القوانين الفرنسية التي وضعها الأستاذ مونو ري و كانت عبارة عن ستة قوانين تستند إلى مجموعة قوانين نابليون بعد معالجتها لتتناسب مع الوضع الإجتماعي و الإقتصادي في مصر . و في عام 1881 تم إفتتاح المحاكم الأهلية في عهد حسين فخري باشا ناظر الحقانية ، و قد تم إعداد مجموعة من القوانين الأهلية المنقولة عن القوانين التي كان يعمل بها أمام المحاكم المختلطة مع إجراء بعد التعديلات ، حتى انتظم العمل بالمحاكم الأهلية و أصبح في مصر عدد من المحاكم الابتدائية بالإضافة إلى محكمة الاستئناف ،