بودي أن أقصر حديثي اليوم على الفنون الشعبية بمراكش واقليمها اللهم الا من حيث المقارنة والتنظير مع باقي الجهات المغربية ولكن يجب ان نحدد اطار هذا البحث فنتساءل عن مفهوم الفنون الشعبية ذلك أن صفة الشعبية قد الصقت بكثير من المعطيات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي وحتى الفكري فتداخلت كثير من العناصر يندرج بعضها تارة في مدلول الفولكلور Folklore كعلم للتقاليد والعادات والمعتقدات والاساطير والاغاني والآداب الشعبية عموما وهو المعنى الذي افرغ في كلمة فولكلور لاول مرة فى انجلترا عام 1846م ، ونجد مفهوم الفولكلور يتسع ويتمدد ليشمل القصص الشعبي والاغاني وكل جوانب الحياة الاجتماعية نص محاضرة القيت بمراكش يوم 29 مايو 1975 بمناسبة افتتاح شهر الفولكلور والفنون الشعبية بمراكش(1) فأين نحن في المغرب من هذه البيبليوغرافيات ؟ الواقع ان هذه التلقائية الشعبية التي طبعت الفولكلور عند الشعوب المحافظة خاصة كشعب الانجليز من أبرز خواص الذاتية عند الشعوب العربية لا سيما في الشمال الافريقي ذلك ان كل العناصر التي لم يستطع العلم البرهنة واقعية على ماهيتها كمقوم يشكل ركنا في حياة الانسان كلها اندرجت تلقائيا فى المفهوم الشعبي الفطري لتلك الازدواجية التي تجعل من الانسان الحي معادلة متواكبة تتوازى فيها الروح مع الجسم والقلب مع العقل والوجدان مع المنطق ، وهذا التساوق الطبيعي هو الذي ينقص كثيرا من الحضارات التي رجحت جانبا على آخر دون أن تحاول التنسيق والتوفيق فلهذا كان مفهوم الفولكلور فى هذا الاطار من مقومات الحضارة الاسلامية التي فسحت المجال للتلقائية الشعبية بصورة شعر معها رجال الفكر انفسهم بأنهم اذا لم يندرجوا فى هذه المجموعة فانهم سيشذون عن طبيعة الانماديا وروحيا مما لا يدخل فى علم بعينه ولكن ما لبثت أوربا ان اتجهت منذ نهاية الحرب العالمية الاولى الى تمطيط هذا المفهوم ليتصل بالاقتصاد السياسي وتاريخ المؤسسة الشعبية ، كما يتصل بالجانب الشعبي في الحقوق والآداب والفن وحتى التكنولوجية دون امتزاج وانصهار في هذه المجالات كعلوم وقد صدر عام 1917 كتاب حول بيبليوغرافية الفولكلور وضع تخطيطاته الاستاذ هوفمان کراییر Hoffman Krayer انطلاقا من هذا المفهوم الجديد الواسع للفولكلور فرسم لنا صور القرية وما تحتوي عليه من مختلف المقومات فأدرج في لائحته الطويلة الحرف التقليدية والتقنيات والفنون الشعبية بما فيهـ من طب شعبي وموسيقى ومسرح وأحاجي والغاز وأمثال وحكم بل حتى مصطلحات الشعب وتعابيره الخاصة التي طمعت اللغة وأثرتها كما أذكت الفكر انطلاقا من الوجدان ولاول مرة اهتمت فرنسا بهذه الفنون فأسست عام 1936 متحفا للفنون والتقاليد الشعبية سان الحق ولذلك رأينا فى تاريخ الاسلام مجموعة من رجالات الفكر يندمجون في البوتقة الشعبية كقصاصين وزجالين وموسيقيين بل وفنانين يدلون بدلوهم فى مختلف هذه المناحي التي نجد لها أصداء فيصناعاتنا التقليدية وفى شتى انشطة الفكر الشعبي التي كانت تتمثل قبل فترات التحجر والانكماش فى حركات وسكنات رجل الشارع المهذب الذي لا تمنعه اميته من اكتساب نوع من الرصانة الفكرية قد لا توجد عند الكثير من المثقفين ، فهنالك عندنا طب شعبي قد تحدثت عنه باسهاب فی کتابی "الطب والاطباء " الذي صدر منذ م 1960/1380 غير أنني أود ان اشير الى جانب هام يتصل بكل ذلك ويتصل باختصاصي في حقل اللغة وبحكم الرسالة التي اضطلع بها منذ أزيد من عشر سنوات فى العالم العربي كمشرف على مكتب تنسيق التعريب على الصعيد العربي فقد انكببت على دراسة المصطلح الشعبي من خلال العامية المغربية وأصدرت نتائج ابحاثي فى كتابين هما : « اصول العربية في العامية المغربية » و « نحو تفصيح العامية في الوطن العربي » حيث قارنت بين اللهجات الدارجة فى مصر والشام وامارات الخليج والمغرب العربي ، وكلنا نعرف عددا من الأميين الذين كانوا شعراء بل وقضاة ببعض الحواضر كفاس نفسها يناظرون العلماء بل يكفي أن تقرأ ما كتبه الاجانب عن هذه الثقافات الشعبية كالمؤرخ مولييراس في كتابه واذا اعتبرنا أن بعض عناصر الفولكلور والفنون الشعبية قد تغلغلت معطياتها في الصنائع التقليدية منذ ان تركزت الوحدة في القرن الخامس الهجري بين أجزاء المغرب من الصحراء الى شمال العدوة ـ أمكننا أن نستعرض ما كان يسمى بالصنائع المشتركة وكلها شعبية ، وبذلك أصبح هذا الاقليم ينافس العالم كله فى روعة انتاجه فكانت جلود اغمات تفوق جودة صنعها جلود الدنيا ( حسب عبارة ياقوت في معجمه) كما برزت اصناف المصنوعات التـ عددها الادريسي كالنحاس والاكسية والمنسوجات الصوفية والزجاج والافاريه والعطور والآلات الحديدية