2. بداية الاضمحلال في الدولة العثمانية يتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة العثمانية قد انتهت بوفاة السلطان سليمان القانوني عام 974هـ (1566م). لاستلام السلاطين الضعاف زمام أمور الدولة، وذلك حين خلف لولاية عهده ابنه سليم الثاني، يضاف إلى ذلك أن العديد من السلاطين، الذين تولوا الحكم في الدولة في فترة التقهقر تلك، فأصبحت أقوى دولة بيد الحريم أو آغاوات القصر. لما بقيت الدولة إلى العصور التي تليها. وأدت إلى اهتزاز البنية الإدارية، والاجتماعية للدولة العثمانية. فقد عقدت تلك المعاهدة بين كل من الدولة العثمانية، وتنازلت الدولة العثمانية بموجبها عن 000ر356 كم2 من أراضيها لتلك الدول. وقد وصف المؤرخ الفرنسي "فرنارد جرينارد" هذه المعاهدة بقوله: "إن عام 1699م من أهم الأعوام التاريخية، حيث انتقلت الهيمنة الشرقية إلى أوروبا". ثم توالت بعد ذلك الإحن على الدولة، وإن كانت على فترات متباعدة. مثل معاهدة كوجوك قاينارجه، إضافة إلى حرية الملاحة للسفن الروسية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وأن تبنى روسيا كنيسة لها في إستانبول، ويكون لها حق حماية جميع المسيحيين الأرثوذوكس القاطنين في البلاد العثمانية، وأن تدفع الدولة العثمانية خمسة عشر ألف كيس[2] غرامة حربية لروسيا. كانت روسيا قد حفظت لنفسها حق التدخل في شؤون الدولة العثمانية الداخلية. وعلى الرغم من قيام الدولة، بعد ذلك بمحاولات إصلاح، بعدما تأكدت أنها لا تستطيع مواجهة القوات الدولية، التي أجريت في عهد السلطان عبدالحميد الأول. التي كانت تنشب بين فترة وأخرى بين العثمانيين من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، 3. حركات التجديد في الدولة العثمانية أ. إصلاحات ما قبل عصر السلطان محمود الثاني دعت الهزائم المتوالية للدولة العثمانية ببعض السلاطين إلى التفكير في القيام ببعض الإصلاحات، ومحاولة العمل على الحد من ذلك التقهقر. التي جرت في الدولة العثمانية، قبل إصلاحات السلطان محمود الثاني (1808-1839م) الجذرية، إصلاحات السلطان عبدالحميد الأول (1773-1789م)، أجرى السلطان عبدالحميد الأول - الذي يعد أقوى السلاطين العثمانيين في القرن الثامن عشر الميلادي - بعض الإصلاحات. وكان من الطبيعي أن تكون تلك الإصلاحات عسكرية بالدرجة الأولى. وعلى رأسهم البارون دو توت الفرنسي (1730-1793م)، على غرار الدول الغربية، كما أنشأ كلية الهندسة (العسكرية). في الوقت الذي كان فيه السلطان عبدالحميد منشغلاً بالإصلاحات، فقد رفع علي بك الكبير راية العصيان والتمرد في وجه الدولة، وتعرضت الدولة لثورات داخلية أخرى في البلقان، إضافة إلى استيلاء إيران على البصرة عام 1190هـ (1776م)، ووقوف الدول الغربية وروسيا بالمرصاد للدولة العثمانية. فقام ببعض الإصلاحات، واتجه نحو تقليد الدول الأوروبية في صناعة السفن، وكانت تلك الإصلاحات ضرورة للدولة العثمانية، إذ إن الدولة باتت مكتوفة الأيدي إزاء أراضيها، كان يرمي إلى إلغاء الإنكشارية، التي تعد عبئاً ثقيلاً على الدولة. ولذلك فقد طلب من بعض رجال الدولة إعداد لائحة تفصيلية للإصلاحات، وعلى الرغم من عدم المساس بالإنكشارية في بداية الأمر، ثم العمل على إصلاح الجيش الإنكشاري ليتلاءم مع مرور الأيام مع الجيش الجديد، يبدو، أن حركة التجديد، ترجع إلى عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839م)، عندما أقدم، وأسس محله النظام الجديد، ولم يستطع إحراز نجاح يذكر، وتأسيس وحدات عسكرية حديثة عرفت ب النظام الجديد، فأعاد السلطان محمود الثاني الكَرّة، بعد أن اتخذ الاحتياطات التدبيرية اللازمة، التي كانت تعد العقل المدبر لتصرفات الإنكشارية. التي أدخلها على الجيش، فشرع في المرحلة الثانية، فأنشأ عام 1251هـ (1835م) وزارة للخارجية، وأدخل أنظمة الجوازات والحجر الصحي، والاجتماعية، التي كانت تحت إشراف المشيخة الإسلامية. كما جرى ذلك في المدارس الابتدائية وهي مدارس الصبيان، الذي عاش بعيداً عنه قروناً عديدة، وذلك تحت ضغوط الهزائم العسكرية التي مني بها الجيش العثماني. وقد ساعد ذلك على ترويج الرأي القائل بأن الدولة إذا ما أخذت بأشكال الحكم الأوروبية، سيتلوه تلقائياً قيام دولة قوية وحديثة. مرّت حركة التنظيمات بمرحلتين، هما: المعروفة بخط شريف كلخانة (مرسوم كلخانة الشريف، عندما أعلن السلطان عبدالمجيد (1255-1277هـ/1839-1861م)، في السادس والعشرين من شعبان عام 1255هـ (4 نوفمبر 1839م) التنظيمات، وعدم التفرقة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، على أساسٍ من مذاهبهم أو انتمائهم القومي، الثانية: حركة الإصلاحات، في الحادي عشر من جمادى الآخرة عام 1272هـ (18 فبراير 1856م). وقد أكد فيها على المبادىء الإصلاحية الواردة في مرسوم كلخانة، القاضي بتأمين رعايا الدولة على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وتقرير المساواة في دفع الضرائب، ورفع الجزية عنهم، ومشاركتهم في الجيش والوظائف الحكومية، جاءت هذه المرحلة إثر ما مارسته القوى الخارجية من ضغط على الدولة العثمانية. ولعل ممّا يوضح ذلك ويؤكده اختلاف المرسومين، على الرغم من تشابههما في كثير من النقاط؛ فقد جاء مرسوم عام 1856م، مختلفاً عن مرسوم شريف كلخانة عام 1839م. وكانت صيغته أكثر مواءمة للطابع العصري، فهو لم يستشهد بآية قرآنية، أُلحقت بهذا المرسوم مذكرة تؤكد، بسبب ما تضمنته من تنظيم شؤون البطريركيات والأسقفيات، كما أنها منحت الرعايا من النصارى امتيازات لم يحصل المواطنون في الدولة على مثلها. ولعل من يقرأ المرسوم الخاص بذلك يتوهم أن غير المسلمين، ولا صحة لهذا على الإطلاق. إضافة إلى أن ما سمي المرسوم الإصلاحي (1856م) كان مليئاً بتكرار كلمات كالكنيسة، ولقد وسعت حركة التنظيمات من صلاتها السياسية والثقافية والاجتماعية مع الغرب. وكان أن سارعت الدول الغربية، وتعمل على تحقيق أهدافها. ومن نماذج ذلك المبادرة إلى التوسع في الهيئات الدبلوماسية والقنصليات، إلا خدمة مصالح الدول الأجنبية. وفي الدولة العثمانية بالقانون الأساسي، ما أعلنه السلطان عبدالحميد الثاني (1293-1327هـ/1876-1909م) من الحياة النيابية على الطراز الحديث، وتقييد السلطة المطلقة، ومرت بمرحلتين هما: في الرابع من ربيع الأول عام 1294هـ (19 مارس 1877م). واستمر في أعماله إلى 14 فبراير 1878م، عندما أصدر السلطان عبدالحميد الثاني قراراً بتعطيل المجلس لأجل غير مسمى. إذ إنه وجد أن وضع الدولة العثمانية في مواجهة الأخطار الخارجية والحروب والثورات، وجمع السلطات تحت سلطة واحدة وقوية، والتي يطالب فيها بعض المندوبين عن أقلياتهم باستقلالها عن الدولة، الذي أصدره السلطان عبدالحميد الثاني، في الثاني من جمادى الأولى 1326هـ(24 يوليه 1908م)، بإعادة مجلس المبعوثان، وقد ضم المجلس الجديد 280 نائباً من مختلف الجنسيات وأهل الأديان الأخرى في الدولة العثمانية. تسلم زعماء الاتحاد والترقي زمام الأمور في الدولة العثمانية، تنحي السلطان عبدالحميد عن سدة الحكم، وتعرض البلاد للفوضى، الذي أبصر قادته وأنصاره أن هناك عدداً من التحديات، التي تواجه الشعوب الإسلامية، الذي زحف من أوروبا على الشرق، غير أن دعوته التجديدية لم تكن مجرد تجمع سياسي تحت امرة خليفة ما، ضد مد النفوذ الأجنبي في العالم الإسلامي، كما كان يغلب على أفكار السلطان عبدالحميد الثاني في سياسته للجامعة الإسلامية؛ بل كانت دعوة للرجوع إلى الأصالة بجميع مقتضياتها العصرية. ويشير بعض الباحثين إلى أن "السيد جمال الدين" بدأ الدعوة إلى هذه الفكرة، منذ حجه إلى مكة المكرمة، عام 1273هـ (1857م)، حتى استقر به المقام في باريس، ب. الدعوة إلى الجهاد. د. الوحدة السياسية. التي ترجع إلى السلطان عبدالحميد الثاني، إلا بالرجوع إلى الدين، فعمل على إحياء الجامعة الإسلامية، واسترداد ما كان لها في الماضي من الجلالة والهيبة. وكان من آثار مناداته بهذه الفكرة، من خلال ما لمنصبه من موقع وتأثير لدى المسلمين، أن توجّس الأوروبيون خيفة من ذلك، وأحسوا بخطر الفكرة على ما يخططون له ضد العثمانيين. ومن أجل تحقيق سياسة الجامعة الإسلامية، مستنداً في ذلك على المبادىء الآتية: أ. إن الوازع الديني عند المسلمين هو الأساس في معركتهم ضد الاستعمار الغربي. ب. إن الوحدة الإسلامية هي الطريق الوحيد لمقاومة الغزو الغربي. ج. إدخال إصلاحات إلى الدول الإسلامية في شتى الميادين، وبخاصة الثقافية والسياسية منها. د. توطيد الموقف الداخلي في مواجهة المعارضين لحكمه. العمل على الحد من نفوذ الدول الغربية في مستعمراتها. الذين كانوا يعيشون تحت نير الاستعمار الغربي (مثل المسلمين الهنود) بإستانبول من الناحية المعنوية، أ. الحفاظ على بقاء الدولة العثمانية ودوامها. ب. ضمان الوحدة المعنوية للمسلمين. ج. الحد من المد الصليبي والاستعماري تجاه العالم الإسلامي. وقد اتخذ السلطان عبدالحميد لضمان الوحدة المعنوية للمسلمين وسائل عدة. 1) إنشاء معهد ديني لتخريج الدعاة. 3) إنشاء خط حديد الحجاز. * تنمية الحياة الزراعية على طول خط السير، والاستفادة من الأراضي القاحلة، ونقل المنتجات الزراعية، من مواقع زراعتها، إضافة إلى عدم وقوعها في حرب أو فقدانها لأرض. وبذلك تم له القضاء على جانب كبير من ثوراتها وحركاتها. فعلى الصعيد العربي عين عدداً من مشاهير العرب، ممن كان لهم تأثير على أتباعهم، ونعوم باشا السورى، وأمر بتصنيف الإحصاءات المتعلقة بالبلاد العربية في بداية السالنامة (وهي الكتب السنوية التي كانت تصدر من وزارات الدولة وولاياتها والتي كانت تلخص أهم حوادث الدولة العثمانية)، في عهود أسلافه، أرسل عدداً من الوفود إلى مختلف الشعوب الإسلامية، خارج نطاق الدولة العثمانية، لتقوية أواصر الأخوة الإسلامية، كما أنشأ السلطان، على الصعيد العسكري، وأعدها لصد أي عدوان خارجي على الدولة العثمانية من أي من القوى المعادية. ومن ثم تركت سياسته للجامعة الإسلامية أثراً جيداً في نفوس المسلمين، والشعراء المحافظين، إلاّ أنه استطاع نشر الدعوة إلى الجامعة الإسلامية في أوسع نطاقها، وإحياء الشعور بالوحدة العامة والتضامن لدى جميع الشعوب الإسلامية، الذي تم تنفيذه بأموال المسلمين، خير مثال على نجاح تلك السياسة. 5. الحرب العالمية الأولى وانقراض الدولة العثمانية أمسكت جمعية الاتحاد والترقي بزمام الأمور في الدولة العثمانية، الذي كان يتحاشى الحروب بقدر الإمكان، متأثرة في كل ذلك بالشعارات الغربية، مما أدى بها إلى التشجيع على القومية التركية. فحصل النفور بين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية وبين برنامج الحكومة، وفي خضم ذلك، عام 1333هـ (1914م)، التي تحالفت فيها الدولة العثمانية مع ألمانيا والنمسا، على أنه لم يكن لديها أي استعداد لخوض غمار الحرب. في السنتين الأوليين من الحرب، غير أن قيام الثورة العربية الكبرى، كان أكبر ضربة وجهت للدولة العثمانية والجامعة الإسلامية بوجه خاص. عام 1338هـ (1918م)، ووقعت عدة معاهدات، استهدفت تقسيم أملاك الدولة العثمانية. مثل معاهدة الآستانة عام 1334هـ (1915م)، ومعاهدة لندن عام 1334هـ(1915م)، ومعاهدة سايكس بيكو عام 1335هـ (1916م)، ثم معاهدة سيفر عام 1339هـ (1920م) التي عقدت في مدينة سيفر الفرنسية، وتخلت الدولة العثمانية بموجبها عما تبقى من أراضيها في تراقيا بما في ذلك مدينة أدرنة، وقلصت تلك المعاهدة سيادة الدولة العثمانية، فقد حُدد عدد الجيش العثماني بخمسين ألف جندي، يخضعون لإشراف الضباط الأجانب، وحُدد سلاح الجيش والأسطول، وأعيدت الامتيازات الأجنبية، كما شُكِّلت لجنة جديدة للبت في الإشراف على الديون العثمانية، وعلى ميزانية الدولة، وعلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها من الأمور المالية. شُكِّلت حكومة في أنقره، كانت منفصلة عن حكومة إستانبول. اعترفت روسيا بموجبه بالميثاق الوطني الذي أعلنته حكومة أنقره. كما عقد مؤتمر في لندن عام 1340هـ (1921م)، وفرنسا عن كيلكيا، ونشب القتال مع اليونانيين، فعينت حكومة أنقرة عبدالمجيد أفندي خليفة في 26 ربيع الأول 1341هـ (16 نوفمبر 1922م)، متجرداً من صفة السلطان. وانتهت حرب الخلاص الوطني، وأُجبر أفراد أسرة آل عثمان على مغادرة تركيا نهائياً. وبذلك انطوت أخر صفحة من صفحات تاريخ الدولة العثمانية، ونشأت على أنقاضها الجمهورية التركية، وأُقيمت مكانها مؤسسات أخرى، مبنية على مبدأ فصل الدين عن الدولة.