ولد أحمد بن محمد الصبيحي في مدينة سلا في شهر صفر عام 1300 يناير 1882، ونشأ وتعلم بها، حفظ القرآن وجوده بقراءة ورش إفرادا على يد الأستاذ أحمد بن أحمد البارودي (ت 1893/1310) وحقق قراءة ورش وقالون جمعا وأتقن القراءات السبع على يد شيخ جماعة القراء بسلا محمد بن عبد الله بريطل (ت 1916/1334) الذي يتصل سنده بالامام محمد ابن غازي المكناسي الفاسي (ت 1513/919) بسنده المذكور في فهرسه. التعلل برسوم الاسناد ودرس قواعد اللغة وعلوم الشريعة بمسقط رأسه كذلك على عدد من الشيوخ، كخاله القاضي محمد بن أحمد السدراتي، والحسن بن إسماعيل، ومحمد حتى الزموري، ومحمد المنصوري، وعبد القادر التهامي، وأحمد بن الفقيه الجريري. ثم قضى بفاس أربع سنوات في الأخذ عن كبار علمائها، أمثال قاضي الجماعة بها عبد الله بن خضراء السلاوي، وعلي بن الطيب الدرقاوي ومحمد القادري وأحمد بن الخياط، وأحمد بن الجيلالي، ومحمد كنون وعبد السلام، الهواري، وغيرهم وقد أجازه بعض هؤلاء الشيوخ إجازات عامة توجد نصوصها في كشكول المترجم. وبذلك تخرج أحمد الصبيحي عالما مشاركا في العلوم اللغوية والنقلية والعقلية، متخصصا في القراءات التي يعد من أعلام عصره المبرزين فيها، وكان لهذا التبريز أثر واضح في معجم إرجاع بعض الدارج في المغرب إلى حظيرة أصله العربي، كما سنرى. مكث أحمد الصبيحي بسلا، بعد رجوعه من فاس نحو اثنتي عشرة سنة يشتغل بالكتابة في الباشوية والعدالة في مرسى العدوتين وتولي خطبة الحسبة، ويقوم في نفس الوقت بإلقاء دروس في الحديث والسيرة والفقه واللغة والأدب وأكثر ما كان يدرس القراءات في جامع سيدي أحمد حجي بجوار سكناه ثم عين ناظرا لأحباس أسفي سنة 1918/1336 فلم يبق فيها سوى ثلاث سنوات، نقل على إثرها إلى الكتابة بوزارة الأحباس البضعة أشهر، ثم إلى نظارة الأحباس الكبرى وأحباس الحرمين الشريفين بمدينة مكناس حيث بقي سبع عشرة سنة (1922 - 1938) يزاول هذه المهمة الدقيقة بكفاية ونزاهة أضيف إليه خلالها النظر في الأحباس الصغرى والزوايا بمكناس. ومعلوم أن أحباس مكناس من أغنى الأحباس في المغرب بسبب أوقاف السلطان المولى إسماعيل، ومن جملتها تحبيسه زيتون غابة حمرية بمكناس على الحرمين الشريفين. وأخيرا رجع أحمد الصبيحي لمسقط رأسه ناظرا لأحباس سلا حيث أنهى بقية مدة وظيفه، ووافاه الأجل يوم الأربعاء 15 محرم 1363 / 12 يناير 1944. كان أحمد الصبيحي، إلى جانب الأعباء الادارية المنوطة به، نشيطا في الميدان العلمي، يبحث ويحاضر ويكتب في الصحف ويناقش المستشرقين ويساجل الشعراء ويؤلف في مختلف الموضوعات اللغوية، والأدبية والتاريخية والاجتماعية. فعندما كان محتسبا بسلا ألف كتاب أصول أسباب الرقي الحقيقي محللا جوانب الدين والعلم والفلاح والتجارة والصناعة والاقتصاد ونشر الرحلة المغربية المكية بجريدة السعادة، كما نشـر مقالات في بعض الدوريات، اشتهر منها نقده لبعض إنتاج الشاعر المطبوع عبد الله القباج وبيان سرقاته الأدبية بكيفية موضوعية وموثقة، الأمر الذي كان له صدى واسع في الأوساط الثقافية حتى دعاه شيخ المحدثين والسلفيين ونائب الصدر الأعظم آنذاك العلامة شعيب الدكالي وسماه «محتسب العلماء».