ظهرت في الهند القديمة دراسات للغة السنسكريتية «لغة الهند الكلاسيكية» على مستوى عال من التنظيم والدقة. ولربما كان الهنود أسبق -حتى من اليونانيين- في هذا الميدان، أما أقدم ما وصلنا منها فيرجع إلى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. ويحتاج عرض الدراسات اللغوية عند الهنود إلى حيز كبير لا يسمح به المقام، أما الدراسة الصوتية عندهم فكانت متنوعة وشاملة لمعظم جوانب هذا العلم. فدرسوا الصوت المفرد وقسموه إلى علل وأنصاف علل وسواكن وقسموا العلل إلى بسيطة ومركبة، كما قسموا السواكن بحسب مخارجها. وتوصل الهنود إلى أثر القفل في إنتاج الأصوات الانفجارية، وتحدث الهنود عن كيفية تسرب الهواء من التجويف الحنجري، وذكروا أنه إذا فتح ما بين الوترين الصوتيين ينتج النفس وإذا ضيق ما بينهما ينتج الصوت، وصرحوا بأن النَّفَس يحدث في حالة الأصوات الساكنة المهموسة، والصوت في حالة السواكن المجهورة أو العلل. ولم يكتف الهنود بالحديث عن الصوت المفرد فتحدثوا عن المقطع، ويكفي الهنود فخرًا أن تكون جهودهم الصوتية هي الأساس الذي بني عليه علماء الأصوات المحدثون. يقول بروفسر ألن: «إن الاتصال بين الهنود القدماء والمدارس الغربية الحديثة في دراسة اللغة أشد وأوثق في مجال الأصوات عنه في مجال النحو». فإنه من غير المبالغ فيه أن نقول: إن هذا العلم لم يلق من العناية في أي بلد من بلاد العالم مثل ما لقيه من الهنود. وقد كان في الهند القديمة ما يقرب من اثنتي عشرة مدرسة نحوية مختلفة، ووصلتنا فعلًا دراسات تزيد على الألف عدًّا بعضها أصلي وبعضها شارح. ويمثل بانيني١ فترة النضج في الدراسات النحوية عند الهنود، وقد كتب بانيني تأليفه في شكل قواعد مختصرة، وأشهر الآراء أنه كان موجودًا بين عامي ٧٠٠و ٦٠٠ ق. وقد وصلنا فعلًا كتاب بانيني المسمى Ashtadhyayi«»الأقسام الثمانية«واحتفل به العلماء وترجموه إلى لغات عدة. وقد نال عمل بانيني شهادات التقدير من القدماء والمحدثين على السواء، وقال عنه ماكس مولر:»لا يوجد نحو في أي لغة يمكن أن يعادل نحوه«. وقال بلومفيلد:»إن نحو بانيني يعد واحدًا من أعظم الشواهد القديمة على تقدم العقل البشري«. وقال روبنس:»بين كل النحاة الهنود يقف اسم بانيني متميزًا عن غيره". ١- أنه بدأ بجمع المادة اللغوية وتصنيفها، ثم انتقل إلى استخلاص الحقائق منها. ٢- أنه سبق النحو اليوناني في تحديد أقسام الكلام «اسم - فعل - حروف إضافة - أدوات». ٤ عرف النحو الهندي الأعداد الثلاثة: المفرد والمثنى والجمع منذ عصر مبكر. ويمكن أن يعتبر هذا العمل من نوع «معاجم الموضوعات» أو «معاجم المعاني» وبعد ذلك ظهرت كتب لا تقصر نفسها على ألفاظ النصوص المقدسة، وجزءا عن الكلمات غير المتصرفة والكلمات المذكرة أو المؤنثة أو المحايدة: ويعيب هذا الكتاب وأمثاله أنه كتب في شكل منظوم ليسهل حفظه وأنه لم يتبع أي ترتيب ييسر اللجوء إليه والعثور على المراد بسرعة، ولا نجد عملًا آخر يستحق الإشارة إليه بعد ذلك سوى معجم كتب في القرن الحادي عشر الميلادي،