عِنْدَما يَحْفِرُ بُيوتَهُ في جُذوعِ أَشْجارِ الغابَة. وَنُخَبِّئْهُ وَنَخْتَبِئْ مَعَهُ في الكُهوف!" في لَحْظَتِها، في النّاحيَةِ الشَّرْقيَّةِ مِنْ واديهِم، إِلى جانِبِ نَباتاتٍ كَثيرَةٍ أُخْرى يَقْتاتونَ بِها، لا أَحَدَ في القَرْيَةِ يَعْرِفُ بِدِقَّةٍ التّاريخَ الَّذي حُفِرَتْ فيهِ الكُهوفُ وَنُحِتَت، وَالأَدَواتِ الحَجَريَّةَ الَّتي لا يَزالُ بَعْضُها في مَتاهاتِها، وَعَلى مَدارِ الزَّمَن، ظَلَّتْ هَذِهِ الكُهوفُ مَلاذًا آمِنًا لِلْأَهالي مِنْ أَخْطارِ فَيَضانِ النَّهْر، اِجْتَمَعَتِ القَرْيَةُ بِصِغارِها وَكِبارِها داخِلَ أَكْبَرِ الكُهوف، بَعْدَ أَنْ أَخْفَوْا مَحاصيلَهُمْ في كُهوفٍ مُجاوِرَة. وَبِخاصَّةٍ الأَطْفال. في هَذِهِ الأَثْناء، حَجَبَ الرّؤْيَةَ لِثَوانٍ واشْتَدَّ سُطوعُهُ بِشَكْلٍ مُتَزامِنٍ مَعَ ذاكَ الصَّوْتِ المُخيفِ للعاصِفَة. خَفَتَتْ بَعْدَها شِدَّةُ الضَّوْءِ وَبَهَتَ سُطوعُه، وَسَطَ ذُهولِ الجَميعِ وَصَدْمَةِ الجَدَّةِ الكَبيرَة… ماذا حَصَلَ بَعْدَها؟ فَلْنَتَعرَّفْ إِلى تَفاصيلِ القِصَّةِ في الجُزْءِ الثّاني مِنَ النَّصّ: "طَواحينُ الرّيحِ وَالعَصا (2)". وَأَنا عَجوزٌ سَأَدْخُلُ العَقْدَ التّاسِعَ مِنْ عُمْري". في هَذِهِ اللَّحَظات، اِلْتَفَّ الجَميْعُ حَوْلَ الجَدَّةِ وَ"ناي"، مُرْتَسِمَةً عَلى وُجوهِهِمْ مَلامِحَ الحَيْرَة، ما هَذا التَّكْوين؟ إِنَّهُ أَشْبَهُ بِدولابٍ في داخِلِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَة، يَدورُ كَمِرْوَحَةٍ طائِرَة. وَما هوَ الرّابِطُ بَيْنَ العاصِفَةِ وَالرُّسومِ وَالعَصا؟ ثُمَّ هَلْ كانَ لِقَرْيَتِنا في الماضي شَكْلُ النُّقوشِ المَوْجودَةِ عَلى العَصا؟". رَبَّتَتِ الجَدَّةُ عَلى كَتِفِ حَفيدِها، عَبْرَ التَّيّاراتِ الهَوائيَّةِ الصّادِرَةِ عَنْ دَوَرانِها، مِمّا ساهَمَ في امْتِصاصِ الأَرْضِ كَمّيّاتٍ كَبيرَةً مِنَ المياهِ وَتَخْزينِها في جَوْفِها. كانَ ذَلِكَ في يَوْمٍ عَاصِفٍ يُشْبِهُ طَقْسَ اليَوْم، فَالوادي بِطَبيعَتِهِ نُقْطَةٌ مُنْخَفِضَة، فَقَدْ هَجَّرْنا الكائِناتِ الحَيَّةَ مِنْ مَوْطِنِها الطَّبيعيّ، لِذا، وَأَمْسَكَ "نايُ" بيَدِ جَدَّتِه، فَنَظَرَ كُلٌّ مِنْهُما بِامْتِنانٍ شَديدٍ صَوْبَ الرّيح، وَفي تِلْكَ اللَّحْظَةِ الْتَمَعَتِ العَصا بِوَمْضَةٍ سَريعَة، وَسَمِعَ الجَميعُ صَفيرَ الرّيحِ يَمْلَأُ الواديَ كَأَنَّهُ أُغْنيَةٌ عَذْبَة. تَوَجَّهَ "نايُ" إِلى الكَهْفِ وَوَقَفَ أَمامَ الجِدارِ ذي الرُّسومات،