يوم الخروج من الزمن إلى زمنٍ وحده لا يستمر أكثر من يوم. تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يومٌ طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها. يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم. يوم الزينة التي لا يُراد منها إلا إظهار أثرها على النفس؛ يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه … يومٌ تعم فيه الناس ألفاظُ الدعاء والتهنئة مرتفعةً بقوة إلهية فوق منازعات الحياة. ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرةً تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة. وهذه العيون الحالمة، الحالمة التي إذا بكتْ بكتْ بدموع لا ثقلَ لها. ١ فلا يزال حولها جو القلب. ••• على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون قياسًا للزمن إلا بالسرور. وظرفهم هو أمرهم الملوكي. هؤلاء المجتمعين في ثيابهم الجديدة المصبَّغة اجتماعَ قوس قزح في ألوانه. ثيابٌ عَمِلت فيها المصانع والقلوب، فلا يتم جمالها إلا بأن يراها الأب والأم على أطفالهما. ثيابٌ جديدة يلبسونها، ••• هؤلاء السحرة الصغار الذين يُخرِجون لأنفسهم معنى الكنز الثمين من قرشين … ويَسْحَرون العيدَ فإذا هو يوم صغير مثلهم جاء يدعوهم إلى اللعب … وينتبهون في هذا اليوم مع الفجر، فيبقى الفجر على قلوبهم إلى غروب الشمس. فيبنون كل شيء على أحد المعنيين الثابتين في نفس الطفل: الحب الخالص، ويبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة، فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقتها السعيدة. هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقَّد. والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد. ولا يستبطنون كيلا يتألموا بلا طائل. ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها، ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يُوجِدوا لها الهمَّ. ولا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها. ويعرفون كُنْهَ٢ الحقيقة؛ وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها … فيجدون من الفرح في تغيير ثوبٍ للجسم، أكثر مما يجده القائد الفاتح في تغيير ثوبٍ للمملكة. هؤلاء الحكماء الذين يُشْبِهُ كلٌّ منهم آدمَ أولَ مجيئه إلى الدنيا، وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأنْ ليس في الدنيا إلا أشياؤها الميسرة. أما النفوس المضطربة بأطماعها وشهواتها فهي التي تُبتلَى بهموم الكثرة الخيالية، ومَثَلها في الهم مَثَلُ طُفَيْلِيٍّ٣ مغفلٍ يحزن لأنه لا يأكل في بطنين … كثرت السعادة ولو من قلة. فالطفل يقلِّب عينيه في نساء كثيرات، ولكنَّ أمه هي أجملهنَّ وإن كانت شوهاء. هذا هو السر؛ انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يُوجِدون حقيقتهم البريئة الضاحكة، لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاقَ الوحش يُوجِد حقيقتَه المفترسة. ولكن في أدق النواميس. يثيرون السخط بالضجيج والحركة، فيكونون مع الناس على خلاف؛ لأنهم على وفاق مع الطبيعة. أما الكبار فيصنعون المدفع الضخم من الحديد، أيتها البهائم،