أخوان یعیشان تحت سقف منزل واحد، ویلبسان دون تمییز بینهما في المعاملة منذ صغرهما، والنصائح التي یستدعیها ظرف، یذهبان إلى المدرسة نفسها، ویؤدیان الصلاة في المسجد نفسه، إلا أن صداقاتهما تختلف بسبب الزمالة في المدرسة؛ رغم التقارب بینهما. لاحظ الأبوان اختلاف ابنیهما في میولهما، خاصة عند شراء احتیاجاتهما من ملابس، وغیرها مما یقع في خانة الترفیه، حیث إن أحدهما عند الذهاب إلى السوق یفحص ما یرغب في شرائه، ویقضي في ذلك وقتا طویلا، حتى وصفه والده بالأمر الممل، إلا أن هذا الأسلوب الدقیق في الاختیار نتیجته في الأغلب جیدة، حیث یكون الاختیار مناسبا، في المقابل لاحظ الأبوان على الابن الآخر سرعة الاختیار لما یرید شراءه، أي بعبارة أخرى كأنه یهمل مناسبتها له، كما یهمل جودتها، إما إعادة البضاعة للمحل، إما لصغرها إن كانت لباسا، أو شعوره بالملل منها إن كانت لعبة.حسب روایة الأب لملاحظاته بشأن ابنیه یقول: إن الاختلاف بین الابنین بدأ یكبر بصورة قویة، حتى تخرجا في الجامعة حین أعطى كل واحد منهما مبلغا من المال لیساعدهما لیشقا طریقیهما في الحیاة، فكانت الملاحظة اللافتة للانتباه أن الابن الحریص، والدقیق في تفحص الأشیاء اشترى بجزء من المال سیارة عادیة تعادل نصف المبلغ المعطى له، في حین أن الابن الثاني اشترى بكامل المبلغ سیارة غالیة الثمن، كل هذا حدث دون تدخل من الأب مع أي منهما، وقد لاحظ كما یقول أن الابن الذي وفر نصف المال بدأ یتحدث عن نشاط اقتصادي، حیث یتحدث عن أنه اشترى، ومع مرور وقت قصیر لا یتجاوز بضعة أعوام أصبح یسافر خارج المملكة بغرض جلب بضائع من مصادر الإنتاج مباشرة، لیتحول الابن فیما بعد إلى رجل أعمال بارز في المجال الذي یعمل فیه. أما الابن الثاني فلم یحقق النجاح الذي حققه أخوه؛ لاختلاف طریقة التفكیر بینهما، حیث إن أحدهما یفكر بطریقة مستقبلیة، لیست محدودة بحدود الوقت الذي یمر به، أما الآخر فكان اهتمامه منصبا على الظرف الذي یمر به دون تفكیر مستقبلي یتم من خلاله بناء الذات، والاستعداد للأیام المقبلة، وبسؤال الأب عن صداقات ابنیه أشار إلى أن الابن الثاني أصدقاؤه على شاكلته، لذا لم یحقق النجاح الذي وصل إلیه أخوه لاقتصار الاهتمامات بأمور غیر جوهریة.هذه الحالة لیست مقتصرة على بیت، حیث یذكر الآباء وجود الفروق بین أبنائهم في الاهتمامات، ولذا یكون تحلیل الحالة من الأهمیة بمكان للتربویین،والأسباب وراء تلك الفروق الفردیة أمر مسلم به، ولولا الفروق الفردیة لما وجد التكامل بین الناس؛ وقد عني علماء النفس بالفروق الفردیة؛ بهدف معرفة أسبابها، حیث أجریت دراسات على الأطفال التوائم؛ بهدف معرفة إن كان السبب وراثیا، أم بیئیا نتیجة التربیة المنزلیة، أو أصدقاء الحي،في بعض دراسات المقارنة یؤخذ التوائم منذ الصغر؛ كما أن من الدراسات ما قارن بین التوائم الذین تربوا تحت سقف واحد، وقد بینت الدراسات أهمیة عاملي البیئة، إذ البیئة بما توفره من أنشطة، ومناقشات لها دورها في شحذ الذكاء، وتقویة خصائص الشخصیة الجیدة، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب، ومع أن بعض علماء النفس أمثال آیزنك، وجنسن یرون أن الوراثة تسهم بشكل أكبر في الذكاء، إلا أن فریقا من العلماء یؤكدون دور البیئة الذي لا یقل شأنا عن الدور الوراثي.