إن مَن يستقرئ التاريخ العربي - قديمه وحديثه - سيكتشف من سياق الأحداث وطبيعة الزعامات ونوعية الحكم أن الحرية قضية مفصلية في كل وقت. وإذا كان العربي هو حامل تراث ثقيل من حرية الكلمة شعراً ونثراً، ولا تسعى إلى الشهرة بمنطق "خالف تُعرف"، وصدق من قال "هل رأينا مولوداً يأتي إلى الحياة مكبّل اليدين؟". لقد خلق الإنسان حراً ويعيش حراً ويموت حراً، فإننا نطرح المحاور التالية في شأن جدل الحريات في دول الوطن العربي وموقف الشعوب منها: تغيرت الخريطة السياسية في المنطقة بكل ما كان عليها ولها أيضاً. وسوف تظل أحداث "الربيع العربي" موضع خلاف ومثار جدل، إما نتيجة المزايدة الثورية ورفع شعارات تجاوزتها الأحداث أو نتيجة ترهل بعضها الآخر وانتهاء أعمارها الافتراضية. مادة إعلانية خصوصاً أن الحرية وحدها لا تكفي، إذ لا بد من أن تقترن ببرنامج إصلاحي تتحقق فيه الحرية الاقتصادية التي تراعي في الوقت ذاته الطبقات الأكثر عدداً والأشد فقراً، خصوصاً أننا نعيش في ظل تراث كبير وركام ضخم. والدين منها براء. فهو كالماء النقي طهارةً وصفاءً. أما السياسة، فهي كالزيت لزوجةً وتلوثاً بحيث تصبح النتيجة تشويه الوجه الراقي للدين في مواجهة المتربصين به والحاقدين على أتباعه! مع افتراض وجود حقيقة التعارض الظاهري بين القيم الدينية والألاعيب السياسية التي تلجأ إلى المناورة والتسويف والتقديم والتأخير. وقديماً قالوا إن حرية تذكرة الانتخاب ترتبط بحرية رغيف الخبز. تتضافر فيها مقومات المجتمع وتراث الشعب وتقاليده وأعرافه بحيث يكون ما هو مقبول في بلد بذاته في زمن معين غير مقبول في بلد آخر وفي وقت مختلف. ذلك أن الحرية هي رأس الحربة في قضايا حقوق الإنسان. ومن الطبيعي أن تكون لها النسبية ذاتها التي تتصف بها حقوق الإنسان في مواثيقها المختلفة. إذ إن لدى حرية التفكير والتعبير وإبداء الرأي عناصر مشتركة، فهي نمط ثقافي يرتبط بنوعية التعليم والخبرات المتراكمة لدى كل فرد. وقديماً قيل "ما أكثر الجرائم التي تُرتكب باسمك أيتها الحرية"! ولأن الثقافة سلوك بشري وتواتر اجتماعي، فإنها تشكل عاملاً مهماً في إدراك معنى الحرية وفهم طبيعتها وفقاً لكل عصر وفي ظل ظروفه القائمة. قصدنا بإثارة موضوع جدل الحريات في الوطن العربي أن نقرع الأجراس حتى يتنبه الجميع إلى صيغة مشتركة ومفهوم واحد لمعنى الحرية الملتزمة بقضايا أوطانها الساعية إلى تحقيق الأهداف والغايات التي تعمل من أجلها الجماعات البشرية المعاصرة في عالم اليوم. نؤكد من جديد أن الحرية لا تهيم في المطلق،