فثمّة ارتباط وثيق في تصوّر عدد من الكتاب والمبدعين أن العزلة في جانب منها هي مصدر إبداع وإلهام، ينبش المبدع في تجاويفه، وأن يسابق الزمن في حصاد أعمار المبدعين والمفكرين والملهمين، ومن ثمّ تتشكل روحٌ إبداعية جديدة ذات مخزون معرفي ينمو شيئاً فشيئاً، إنّ الإنسان يجد في التأمل مهاداً روحياً يلجأ إليه في ساعات العزلة، إنّ (تأمّل المعرفة) يشكل نتاجاً إبداعياً جديداً، فهي الأساس ومن دونها لا يولد إبداع جديد، ولذا فإنّ الإنتاج الإبداعي سيكون بيّن الملامح واضح التشكيل حين يرتكن إلى معرفة ذات أبعاد متعددة، تجعل الذات المنعزلة في دائرة يضيق أفقها الاجتماعي، فالعين تعرف من عينيّ محدثها جراحاً غائرة وآلاماً نازفة وأفراحاً نابضة وأسراراً خافية، وهو ما يمكن تسميته (فلسفيّة الإبداع) حيث تتحول روح الإبداع إلى فلسفة فتغيب تلك الروح الإبداعية بجمالها وأحاسيسها وعواطفها وصورها وبلاغتها فتطغى الفكرة ذات البعد الفلسفي والمعاني ذات البعد الفكري، وإذا كانت العزلة في تأملها تمنح النفس ساحة من الإبداع والجمال، فإنها من جانب آخر يمكن أن تحيط المبدع من جانب نفسي بهالات خاصة من التأمل لا يتجاوزها، ذلك أن النفس تُحتبسُ في نطاق نفسي ومزاجي واحد تنمو أفكاره وتنهل من معين واحد، فتتشكل رؤيته في مساحة ضيقة من الإبداع تتجدد بشكل عامودي يحفر في ذات تلبستها صورة واحدة من التشكيل النفسي، فالمبدع الأصيل المتجدد ذو الموهبة العميقة يتخذ العزلة غابة واسعة متنوعة المشارب ومتعددة المآكل، وحيناً يسرق مسمعه لحن خفي فيغمض عينيه ليبوح بأسراره النديّة. أما المبدع الآخر فيكون في عزلته أسير ذاته لا تسعفه موهبته إلا بتكرار ما تجود به بين الفينة والأخرى،