بنيت أول مصفاة نفطية في هذه الجزيرة العربية. وبعد 72 عاما من بنائها، وبعد سنوات من دخول قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا إلى المدينة، وعلاقتهم المتشعبة مع مسؤولين، ويتسارع فيه انهيار العملة المحلية، في هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه لأشهر، تتبعنا خسائر اليمن الاقتصادية بسبب توقف العمل في مصافي عدن الأكبر في البلاد، ووضعنا اليد على الجهة المستفيدة من ذلك، وتعرضت مصافي عدن للحرق أكثر من 4 مرات خلال الحرب المستمرة منذ العام 2014، ثم تبعه عام 2019 وفي الشهر نفسه حريق ثالث بالمصافي ذاتها. في منشور لها على فيسبوك قالت المصافي إن الحريق الرابع وصل إلى مبنى الحسابات. وإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي عن تشكيل لجنة لمراجعة حسابات البنك المركزي خلال الأعوام 2016-2020 بما فيها حسابات استيراد المشتقات النفطية، والتي أصبحت مصافي عدن مسؤولة عنه منذ إصدار قرار تعويم المشتقات النفطية قبل عدة سنوات. بسرعة تنفيذ الخطة المزمنة المعدة للتشغيل الكامل لمصافي عدن للقيام بدورها الحيوي في تأمين احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية وتوفير احتياجات البلاد من العملة الصعبة. قبل ذلك كان رئيس مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن، قد صرح على صفحته في فيسبوك أن "كلما قامت أعمال تحديث في المصفاة وقبل انتهائها، تم التواصل مع جواد للحصول على تعليق موسع على منشوره، عام 1952 قام سلطة الاحتلال البريطاني ببناء مصافي عدن، كأول مصفاة للنفط بهذه الجزيرة العربية، وبقدرة تكريرية وصلت إلى 170 ألف برميل يوميا، وكان النفط وقتها يأتي من الخليج وإيران وبعض الدول لتقوم المصافي بتكريرها، باعتبارها تمتلك خزانات ضخمة تصل سعتها إلى أكثر من 500 ألف طن متري من المشتقات النفطية. وبعد قيام الوحدة عام 1990 أصبحت المصافي تستقبل النفط القادم من محافظة مأرب شرق اليمن، وغيرها من المشتقات النفطية التي كان يحتاجها السوق اليمني. •مخالفة القوانين ولم تتجه الحكومة إلى إصلاح المصافي، أو استكمال إصلاحها كحلول مستدامة لحل مشكلة المشتقات النفطية واستنزاف العملة الأجنبية، قرارا بتحرير سوق المشتقات النفطية، بدلا من العمل على استكمال إصلاحات المصافي وتوفير الكهرباء لها، فقامت بفتح استيراد النفط لجميع التجار، في مخالفة للقوانين التي تنص على أن المصافي هي الجهة الوحيدة التي تقوم باستيراد النفط وتوزيعه، ونص القرار أن تتم عمليات استيراد النفط عبر مناقصات يتم الإعلان عنها، وحتى عام 2019 كان عمل المصافي فقط يقتصر على طلب كميات من التجار وتخزينها في مخازنها الأكبر في اليمن، وبحثنا في موقع وكالة الأنباء الرسمية (سبأ) وفي صحيفة "الثورة" الحكومية والتي تعلن فيها المناقصات التي تقوم الدولة بإعلانها وفقا لقانون المناقصات والمزايدات عبر جميع مؤسسات الدولة، وخلال تلك الفترة كانت تتم عمليات استيراد المشتقات النفطية عبر شركة "عرب غلف" التابعة لأحمد العيسي الذي صدر قرار عام 2019 بتعيينه نائب مدير مكتب رئيس الجمهورية في عدن. وبعدها لم يتم الإعلان عن أية مناقصات حسب قانون المناقصات وفي وسائل الإعلام الرسمية. وكان نائب رئيس مكتب الرئيس قد رضي بجميع شروط المصافي في مقدمتها تأجيل الدفع حتى يتم بيع المشتقات التي يقوم بتوريدها، وفي مقابلة حديثة أجراها أحمد العيسي مع قناة "اليمن اليوم" بتاريخ 21 مارس 2024 قال إن الحكومة الشرعية لم تدفع المديونية المستحقة له عليها حتى الآن، وهذا أثر كثيرا على نشاطه الاقتصادي على حد قوله. •الوالي: الدولة العميقة لا تريد للمصافي أن تعمل مع سيطرة المجلس الانتقالي على مدينة عدن بشكل كامل عام 2019 لم يعد العيسي جزءً أساسياً من عملية استيراد النفط، إن هناك محاولات لتعطيل المصافي لصالح أشخاص ليس لهم علاقة بالدولة، وإن الدولة العميقة لا تريد للمصافي أن تعمل وتستعيد دورها في دعم الاقتصاد اليمني، وجاء في تقرير اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها من قبل مجلس النواب اليمني، لتقصي الحقائق حول تعطيل مصافي عدن وفساد القطاع النفطي -والذي ينشر لأول مرة- تعطيل المصافي عن مهامها في التكرير والاستيراد، بل وصل الأمر إلى التهرب الضريبي من قبل الشركات التجارية، التي قامت باستيراد المشتقات النفطية والإيرادات الأخرى مثل جمارك دخول المشتقات النفطية التي دخلت البلاد. وأشار التقرير إلى أن المصافي تحملت لوحدها مبلع 70 مليون دولار تم دفعه للشركة الصينية التي أعادت إصلاح المصافي، لا تزال المصافي تستخدم فقط مخازن للتجار الذين تصل مشتقاتهم النفطية إلى هناك، في مقدمتهم العيسي الذي ظل يسيطر لوحده على استيراد المشتقات النفطية حتى عام 2019 عندما سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على المدينة. وأشار التقرير البرلماني إلى ان وزارة النفط رفعت في العام 2022 رسالة إلى رئاسة الوزراء في عدن حتى بعد المصاريف الضخمة التي دفعت، تفيد بأنه من الصعب إعادة تشغيل المصافي حتى العام 2024 بسبب نقص التمويل الكبير، بعد الارتباط مع الشركة الصينية التي تم التوقيع معها دون أية مناقصات وفقا للقانون اليمني. وجاء في تقرير جهاز الرقابة والمحاسبة للعام 2019 أن تعطيل المصافي خلال الفترة 2015 حتى 2018 - وهي الفترة التي سبقت سيطرة الانتقالي على مدينة عدن - تحت مبرر تعطل مولد الكهرباء في الحكومة، سمح باحتكار شركة واحدة - في إشارة لشركة عرب جولف التابعة لرجل الاعمال أحمد العيسي - بسوق استيراد المشتقات النفطية، وفي تقرير ينشر لأول مرة صادر عن اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في فساد الكهرباء والديزل لعام 2022، التي قالت إن العقد المبرم مع "برايمز إنتربرايس" كلف الدولة خسائر بأكثر من 550 مليون دولار بسبب التأخر في تنفيذه، دون مساءلتها من الجهات الحكومية ذات العلاقة. وتواصلنا مع وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء بعدن للوقوف على أسباب تأخر تنفيذ عقد "برايمز إنتربرايس" وردودهم على تقرير اللجنة البرلمانية. وعام 2018 أصدر الرئيس هادي قراراً يسمح لجميع التجار باستيراد المشتقات النفطية وبيعها مباشرة بالأسواق، ويفتح الباب لاحتكار العيسي لاستيراد المشتقات بشكل غير مباشر بحكم أن شركات العيسي هي من كانت تقدم على المناقصات وتنافس بعضها البعض. الصحفي في الشؤون الاقتصادية وفيق صالح قال للجزيرة نت "عندما نتحدث عن تعطيل مصافي عدن واعتماد البلاد على توفير احتياجاتها من الوقود من الاستيراد الخارجي، لأن مبالغ مشتريات المشتقات النفطية من السوق الخارجية تصل إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً، وبحسب الأرقام الرسمية فإن العام الجاري وصلت فيه قيمة هذه المشتريات إلى أكثر من 3 مليارات دولار". ويعد هذا الرقم مهولا لأنه يتجاوز إيرادات البلاد في الوقت الحالي من النقد الأجنبي، التي تأتي على شكل مساعدات دولية من الإقليم والدول المانحة، وفي حين ينتظر اليمنيون إصلاح مولدات الكهرباء الخاصة بالمصافي لتغطية الجزء الأكبر من المشتقات وتخفيف الضغط على العملة الصعبة، حيث إن من يمتلك المال هو فقط من يستطيع شراء المشتقات النفطية والاستفادة كذلك من إعفاءات الجمارك لأن رئيس الجمهورية وجه في قراره بتعليق الرسوم الجمركية للمشتقات النفطية من تاريخه بهدف تقليل الأسعار. ووفقاً لهذا القرار فإن دور شركة النفط اليمنية الحكومية انتهى والتي كان هدفها الأول هو تغطية حاجة الطلب من المشتقات النفطية وفقا للقانون رقم 191 لعام 1990. ووفقا لمصدر خاص رفض الكشف عن اسمه بشركة النفط فإن هذا القرار أضر كثيرا بالشركة وقدرة الدولة على السيطرة على السوق من قبل تجار معدودين باعتبارهم يمتلكون فقط العملة الأجنبية، والعلاقات مع العيسي الذي يمتلك بدوره ناقلات النفط. سجلت مخالفات في عمليات شراء النفط والوقود، وأوضح التقرير أن التلاعب بأسعار النفط واستيراد النفط بهذه الطريقة قد أضر بدور المصافي واقتصاد البلاد. وجاء في التقرير كذلك أن الحكومة لم تستكمل دفع ما يجب دفعه للشركة الصينية التي تتولى إصلاح المصافي حتى الآن، وهو ما أثر على عمليات إصلاح مولدات الكهرباء الخاصة بالمصافي، وجاء في تقرير اللجنة البرلمانية أن الحكومة لم تدفع مبلغ 65 مليون دولار فقط لاستكمال إصلاح المصافي في حين أنها اشترت وقودا بمليارات الدولار وأن ذلك قد يتسبب في إنهاء المصافي بشكل كامل. وقالت وزارة النفط في ردها على اللجنة إن إصلاح المصافي لن يتم خلال هذا العام مما يعني الاستمرار في شراء الوقود واستنزاف المزيد من العملة الصعبة. وقال إن دور شركة النفط كان يقتصر فقط على إبلاغ المصافي بما يحتاج إليه السوق من احتياجات نفطية، وتقوم المصافي بتوفيرها واستيراد ما ينقص منه وفقا لمهام الشركة والمصافي حسب القانون. ويمنع القانون استيراد النفط من قبل التجار، وحصر استيراد النفط فقط على شركة مصافي عدن إضافة إلى دورها في تكرير نفط اليمن بما يسمح لها بتغطية السوق المحلي بالكامل ويوفر على الدولة العملات الأجنبية، كما نص القانون بأن توزيع المشتقات النفطية يقع على عاتق شركة النفط اليمنية فقط. وفي الوقت التي تستنزف فيه العملة الصعبة في شراء المشتقات النفطية، بينما تستنزف أضعاف هذا المبلغ لشراء المشتقات بسبب تعطيل مصافي عدن التي كان من المفترض أن توفر على اليمن كل هذا الكم من العملة الصعبة التي تغادر البلد لشراء المشتقات، وتسبب زيادة في الطلب على الدولار وبالتالي انهيار العملة المحلية. قمنا بالبحث عن أية إعلانات لمناقصات خاصة باستيراد المشتقات النفطية وفقا لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم 23 للعام 2007. كما أننا قمنا بالبحث عن مناقصة التعاقد مع الشركة الصينية التي تقوم بإصلاح المصافي، يقول المحامي توفيق الحميدي إن أية قرارات تتخذها الحكومة يجب أن تتناسب مع مصلحة الشعب، وأن تتوافق مع القوانين النافذة خصوصا قرارات تعويم المشتقات النفطية. وأضاف أن هذه القرارات التي اتخذتها الحكومة يجب أن تخضعها للمساءلة لا سيما مع إجماع الخبراء الاقتصاديين بأن لها تأثيرات على الاقتصاد والمواطن كذلك، ويشير الحميدي إلى أن القانون واضح جدا فيمن هي الجهة المسؤولة عن استيراد المشتقات النفطية، وأن تلتزم الحكومة بعمل مناقصات لأي عمليات تقوم بها، وفي حين أعلنت المصافي عن تشغيل وحدة إنتاج الأسفلت مطلع عام 2024، لا تزال قصة إصلاح مصافي عدن لغزا كبيرا لم يتغير مع تغير الرئيس والحكومة،