كنت اليوم أرقب التلفزيون في برنامج كوكب الحيوانات Planet Animals فوقع نظري على الأسترالي (ستيف أيروين) المعروف بـ"رجل التماسيح" والموصوف بـ "المتهور" في أحد برامجه الشهيرة، وكنت منذ أمد بعيد، أقول لمن حولي: حينما تسمعون أن هذا الرجل ختم حياته وبسرعة فمات بلدغة حشرة سامة، ورفسة بغل فاعتبروا الأمر عاديا؟! فالرجل كان يعيش كي لا يعيش، لأن أصدقاءه هم الضواري والأفاعي، وكان يتجول في الليل والنهار بين العقارب وأفاعي الصل والأناكوندا والتماسيح، يمشي في ظروف خطيرة ومناخات صعبة وهو يرتدي بنطالا يكشف عن نصف فخذه، وليس من درع يقيه من نهشة ضار أو لدغة حشرة. ولعا بالطبيعة، ويلعب بالأفاعي المخيفة، كما يفعل الطفل مع لعبه، والرجل يعرف ذلك، فلما وصل إليها كانت في استقباله بغضب وانتصاب، فوضع النظارات السميكة السوداء على عينيه، وهو يقول إنها غاضبة وخطيرة، فكان الرجل يعرف مواضع الخطر تماما، ولا أتذكر تماما هل أصبحت في يده أم لا. كان يقول إن سمها ـ وكانت تبصق عليه فترشه من بعد عدة أمتارـ إذا نزل في العين أصابها بالعمى، وبرامجه ما زالت حية، وزوجته تشاركه في الكثير من النشاطات، فكتب لنفسه الخلود بهذا الحماس الرائع العجيب، في كشف ألوان من الطبيعة مجهولة، أمام أعين المشاهدين والمتتبعين. وأنا ما زلت أتابع برامجه في باقة "الشوتايم" بكل شغف، وما يهمني من هذه الباقة ليس أفلام السخف والفحش والقتل والضرب، بل هذا البرنامج عن الطبيعة والحيوانات، وبرنامج الديسكفري خاصة في قسمه التاريخي، فأقدمت فيما يشبه الانتحار، على التخلص من أهم قناتين عندها، وهو في سن الشباب، ومن حيوان ليس على البال، في الرابع من شهر أيلول (سبتمبر) 2006م، عندما ضربته سمكة سامة، من النوع الذي يحمل أشواكا كبيرة، وصدفة جاءت الضربة في قلبه مباشرة، ولكن هي لحظات صغيرة من القدر، وحسابات من الألف من الشعرة تلك التي تقرر مصائرنا. مات أيروين شابا في الرابعة والأربعين، وترك زوجة وطفلين صغيرين، ومشاريع كثيرة، وعدم تدمير المناطق الطبيعية، وتوفي وهو يقوم بعمله، وهكذا الأقدار؛ ومن خلال الإحصائية التي قدمت، ظهر أن أكثر من 50 في المائة من الشعب الألماني يؤمن بتصاريف القدر. وممن ذكر رجل الأمن الأمريكي الشهير (أو نيل)، الذي أخذ وظيفته كرئيس للأمن في مبنى التجارة العالمي، ليهوي هو والبرج إلى حضيض الموت. كذلك كان قدر (ستيف أيروين) مع شوكة شاردة، أو عضة تمساح. "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا".